أبانت دراساتنا السابقة عن (وضوء النبيّ) و (منع تدوين الحديث) و (تاريخ الحديث النبوي الشريف) (١) بروز نهجين بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله كان موجودين في حياته :
أحدهما : يتّخذ المواقف من خلال الأصول ، ويتّبع القرآن والسنّة ، ولا يرتضي الرأي والاجتهاد مع وجود النصّ.
والآخر : يتّخذ الأصول من خلال مواقف الصحابة وإن خالفت النصوص ، فهؤلاء يشرّعون الرأي ويأخذون به مقابل النص ، ويتعاملون مع رسول الله كأنّه بشر غير كامل يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ثمّ يطلب المغفرة للملعونين (٢) ، أو أنّه صلىاللهعليهوآله خفي عليه أمر الوحي حتّى أخبره ورقة بن نوفل بذلك! وهذا يخالف ما ثبت من أنّ خاتم النبوة كان مكتوباً على كتفه.
__________________
كتاب الله ، ثمّ الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدّة مواضع ؛ لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ، ونفاقهم ، وكفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ، ودافع مكابداً ، وأقام منابذاً حتّى قهره السيف ، وعلا أمر الله وهم كارهون ، فتقوَّل بالإسلام غير منطو عليه ، وأسرَّ الكفر غير مقلع عنه ، فعرفه بذلك رسول الله والمسلمون وميّز له المؤلفة قلوبهم فقبله ، وولده على علم منه ، ممّا لعنهم الله به على لسان نبيه وأنزل به كتاباً قوله : (والشجرةَ الملعونَة في القرانِ ونُخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيرا) ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني أميّة ، ومنه قول الرسول عليهالسلام وقد رآه مقبلاً على حمار ، ومعاوية يقود به ، ويزيد ابنه يسوق به : لعن الله القائد ، والراكب ، والسائق ...
(١) طبع سابقا في مجلة تراثنا (الأعداد ٥٣ ـ ٦٠) تحت عنوان (السنّة بعد الرسول).
(٢) صحيح البخاري ٨ : ٤٣٥ / كتاب الدعوات ، باب ٧٣٦ ، ح ١٢٣٠ سورة الإسراء ، مسند أحمد ٢ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، ٤١٩ ، وج ٣ : ٤٠.