تبعدهم عن الجهاد ، من جملتها الاتكال على الصلاة أو الولاية باعتبارهما خير العمل.
لكنّ هذا السبب في منع عمر بن الخطاب ترد عليه عدة أمور :
أوّلها : إنّ الغزوات والحروب كانت أعظم وأكثر على عهد رسول الله ، وكانت ظروف انبثاق الدولة الإسلاميّة الفتيّة وبداية انطلاقها لنشر دين الله أدعى إلى حذف هذه الحيعلة من قِبل رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ لو صحّ هذا التعليل ـ من الظروف التالية التي عاشها الخليفة بعد استقرار أمور الدولة بشكلها الذي كانت عليه. فلماذا لم يحذف رسولُ الله صلىاللهعليهوآله هذا الفصل وحذفها عمر (١)؟!
إنّ هذا لَيثير تساؤلاً حول صحّة هذا التعليل الذي فسّر به عمر حذفه هذا ، أو يومئ إلى وجود سبب آخر غير معلن في هذا السياق.
ثانيها : لو قبلنا التعليل السابق تنزّلاً لصحَّت مشروعية الحذف لفترة معينة ، لا أنّه يكون تشر يعاً لكلّ الأزمان ، ذلك أن سريان المنع إلى يومنا هذا ربّما يشير إلى أمر آخر.
ثالثها : إنّ هذا التعليل من قبل الخليفة لا يتّفق مع ما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله من قوله : «اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة» وهو لا يتّفق أيضاً مع قوله صلىاللهعليهوآله عن الصلاة : «إنّها عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدّ ما سواها» ، فلو صحّ تعليل الخليفة وأنّه أراد أن لا يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعُوا الجهاد ، للزم
__________________
(١) وهذا التعليل والرد ، ورد نظيرهما في إتمام عثمان للصلاة بمنى ، بحجّة خوفه أن يظن الناس أنّ صلاة القصر هي المفروضة ، فأجابه الصحابة بأن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يقصر الصلاة وينبّه المسلمين على أنّ ذلك مخصوص بمنى. فلوصح تعليل عمر ، لكان يمكنه أن يقر الحيعلة الثالثة في الأذان وينبّه المسلمين على ضرورة الجهاد ، كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يفعل ذلك. وهذا التشابه في أدوار الخليفتين الثاني والثالث يوقفك على مسار تيار الحكّام المجتهدين.