مجرياتها وتحرّف عن أصالتها وتوضع باسم الآخرين!
ومن الحوادث التاريخيّة التي برزت فيها شعاريّة «حيّ على خير العمل» كرمز للشيعة والتشيّع ما أورده ابن الجوزيّ في «المنتظم» في أحداث سنة ٤١٧ هـ ، وما جاء في «مرآة الجنان» في أحداث سنة ٤٢٠ هـ ، حيث ذكرا بإنّ الصراع والصدامات بين الشيعة والسنّة في بغداد كانت على أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّى الأساليب التجرُّؤ على مكانة الإمام عليّ عليهالسلام الرفيعة السامية ، وبذلوا كلّ ما باستطاعتهم من النيل منه ومحاولة إسقاط مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلى هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسيّ ظاهراً ـ أحد وعّاظه ـ إلى مسجد براثا (١) ـ مسجد الشيعة ـ في أحد أيّام الجُمَع ، وراح ينال من شخصيّة الإمام عليّ عليهالسلام بكلّ ما لا يليق به لا من قريب ولا من بعيد ، الأمر الذي أثار الشيعة من الذين كانوا حاضرين في ذلك المسجد ، فلم يسكتوا على قباحة ذلك الخطيب ، وحدث لغط وثارت الحميّة الدينيّة ، فلم يكتفوا بالاعتراض اللفظيّ ، بل رموا ذلك الخطيب بكلّ ما كان قريباً من أيديهم فأصابوه وكسروا له أنفه (٢) ، فكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولى التي ألهبت حالة الصدامات فيما بين السنّة والشيعة في بغداد في تلك السنة ، وعلى أثر ذلك فقد كتب الشيعة على أبواب دورهم هذه العبارة : (محمّد وعليّ
__________________
(١) ومسجد براثا من المساجد العريقة والقديمة جدّاً ، وكان يومذاك بمثابة معقل الشيعة وحصنهم الحصين ، وتخرّج منه الكثير من الرجال الذين دخلوا تاريخ عالَم التشيّع ، حتّى قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية ١١ : ٢٧١ حوادث سنة ٣٥٤ هـ ، إنّه : (عشّ الرافضة) ، وكان ابن عقدة يعطي دروسه فيه ، ونقل عنه أنّه كان حافظاً لستمائة ألف حديث ، ثلاثمائة ألف حديث منها كانت في فضائل أهل البيت عليهمالسلام ، هذا مضافاً إلى إيواء المسجد لعدد كبير من علماء الشيعة ، وكانوا على درجة عالية من الوعي والصلابة في الدين ، جعلت من أحد النواصب لأن يسمّيه بغضاً وتعنتاً بـ (مسجد ضرار) انظر البداية والنهاية ١١ : ١٧٣.
(٢) البداية والنهاية ١٢ : ٢٨ ـ ٢٩ حوادث سنة ٤٢٠ هـ.