وذلك بعد أن تفرّق الشيعة في مختلف أرجاء المعمورة ، وراحوا يتنفسون الصعداء بعيداً عن سطوة الحكومات الجائرة.
وبهذا فقد ثبت لك مما سبق وجود اتجاهين عند المسلمين :
أحدهما : يتبع الخلفاء ويتّخذ الاجتهاد والرأي حتّى على حساب القرآن والسنة في استنباطه.
والآخر : يأخذ بكلام أهل البيت والنص القرآني والنبوي ولا يرتضي الرأي.
وكان الاتجاهان على تضاد فيما بينهما ، فالذي لا يرتضي خلافة الإمام عليّ ابن أبي طالب وولده لا يحبذ شعارية (حيّ على خير العمل).
أمّا الذي يعتقد بشرعية خلافة الأوصياء ، ويفهم من الحيعلة الثالثة أنّها دعوة إلى بر فاطمة وولدها الذين هم خير البرية بصريح الكتاب العزيز ـ أي محمّد وعليّ والزهراء والحسن والحسين ـ فيصر على شعاريتها وإن كلفه ذلك الغالي النفيس.
وليس من الاعتباط أن نجد ارتباطاً تاريخياً بين القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والقول بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة الثالثة ، فهي إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بين نهج التعبد المحض ، وبين نهج الاجتهاد والرأي.
إنّ ما تنطوي عليه الحيعلة الثالثة من حقيقة الإمامة حينما دخلت الصراع يكشف بلا ريب عن أنّ حلبة هذا الصراع أكبر من كونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما (حيّ على خير العمل) إلاّ نافذة من تلك النوافذ الكثيرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها في ذلك شأن التكبير على الجنائز خمساً أو