وبعد هذا ، لابدّ من الإشارة إلى إشكال آخر أثاره السُّهيليّ (١) والعسقلانيّ وغيرهما حاولوا الاجابة عنه.
قال ابن حجر في إرشاد الساري : (فإن قلتَ : ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟
أُجيب : لما فيه من التنويه بالنبيّ والرفع لذِكره ؛ لأنَّه إذا كان على لسان غيره كان أرفَعَ لذكره وأفخَرَ لشأنه ، على أنَّه روى أبو داود في المَراسيل أنَّ عمر لمّا رأى الأذان جاء ليخبر النبيّ فوجد الوحي قد ورد بذلك ، فما راعه إلاّ أذان بلال ، فقال له عليهالسلام : سبقك بها الوحي. ورواة هذا الحديث خمسة ، وفيه التحديث والإخبار) (٢).
وهذا التعليل عليل ، لأنَّه لو صحّ للزم لحاظ هذا الوجه في كلّ شيء ورد فيه ذِكر الشهادتين ، لأنَّ نقل ذلك على لسان غيره أرفع لذكره وأفخر لشأنه وأدفع لتهم أعدائه ، في حين نعلم بأنَّ الباري جَلَّ شأنه هو الذي رفع ذِكره بقوله : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (٣) ، وبعد هذا فلا يحتاج إلى أن يرفع ذكره بعد الباري جلّ شأنه أحدٌ.
هذه أهمّ الأقوال التي قيلت في تشريع الأذان عند مدرسة أهل السنّة والجماعة ، وقد يمكن إرجاع بعضها إلى بعض ، وتقليص حجم اختلافاتها ، غير أنّ إعادة جميع النصوص إلى قول واحد محالٌ من القول ، لأنّ القول بتشريعها والتأذين بها في الإسراء والمعراج لا يتّفق مع هَمِّ وغمّ رسول الله في المدينة وجلوسه مع أصحابه يستشيرهم في كيفيّة التأذين وطريقة جمع المسلمين على شيء واحد.
__________________
(١) في الروض الانف ٢ : ٣٥٦.
(٢) إرشاد الساري ٢ : ٤.
(٣) الانشراح : ٤.