ليس الجهل المركب من العلم
يزعم بعضهم دخول الجهل المركب في العلم فيجعله من أقسامه ،
__________________
(١) ظاهر كلامه (قدس سره) بل صريحه : إنكار دخول الجهل المركب في مقسم التصور والتصديق ، واستند في ذلك إلى أمرين : تعريف العلم ، وعدم صحة كون الشئ من أقسام مقابله. ويرد عليه النقض بالوهم بل الشك حيث جعلهما من أقسام التصور الذي هو قسم من العلم ، مع أن الصورة الوهمية مقارنة للاعتقاد الظني بخلافها. وأيضا قد صرح هو (قدس سره) بكونهما من أقسام الجهل (ص ١٩ س ٤).
والحل : أن العلم يطلق على معان مختلفة :
١ ـ مطلق الانكشاف والحضور ، فيرادف الإدراك والمعرفة ، وهذا هو مقسم الحصولي والحضوري.
٢ ـ الصورة الحاصلة من الشئ لدى العقل ، فيرادف العلم الحصولي.
٣ ـ مطلق الاعتقاد الراجح سواء منع من النقيض أم لا ـ ويقال له : العلم بالمعنى الأعم ـ فيشمل الظن والجزم ، وهذا المعنى مرادف للتصديق ، ويقابله التصور بأقسامه.
٤ ـ الجزم ، وهو الاعتقاد الراجح المانع من النقيض ، وهو العلم بالمعنى الأخص ، ويقابله الظن.
٥ ـ الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، ويقابله الجهل المركب.
٦ ـ اليقين ، وهو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت ، ويقابله التقليد ، وهناك معان أخر لا يهمنا ذكرها الآن.
إذا عرفت هذا ، فنقول : كل معنى لاحق أخص من المعنى السابق ، فعدم دخول الجهل المركب في العلم بالمعنى الخامس لكونه مقابلا له لا يستلزم خروجه عن المعاني السابقة للعلم ، كما أن عدم دخول الظن في العلم بالمعنى الرابع لكونه مقابلا له لا يستلزم خروجه عن العلم بالمعنى الثالث ، وهكذا ...
واتضح أن المغالطة نشأت من اشتراك لفظة «العلم» بين معان كل لاحق أخص من سابقه ، وأن الحق كون الجهل المركب «علما» بمعنى الصورة الحاصلة من الشئ لدى العقل ، بل تصديقا ، وهو القول الأول الذي حكاه عن بعضهم ، وقد صرح بكونه تصديقا الشيخ في برهان الشفا (ص ٥١) وفي الإشارات (ص ١٣) وعدة من محشي الحاشية للمولى عبد الله اليزدي (قدس سره) ، وفي مقصود الطالب (ص ٥٨) وشرح المنظومة في المنطق (ص ٨) والمولى صدر المتألهين في اللمعات المشرقية (راجع منطق نوين ص ٣) وهو الظاهر من عبارة التفتازاني في تهذيبه ، بل لم أجد لما ذكره الماتن قائلا غيره.
(٢) قد ظهر لك : أن هذا هو ما عليه جميع المناطقة فيما نعلم ، حيث صرح به كثير منهم كما