ونحن ذاکرون هنا مثالا دقيقا على ذلک مستعينين بنباهة الطالب الذکي على ايضاحه. وهو قولهم «الوجود موجود» فان بعض الباحثين اشتبه عليه معني موجود اذ يتصور أن معناه (انه شيء له الوجود) فقال : لا يصح الحکم على الوجود بأنه موجود والا لکان للوجود وجود آخر وهذا الآخر أيضا موجود فيلزم ان يکون له وجود ثالث ... وهکذا فيتسلسل الى غير النهاية. لأجله أنکر هذا القائل اصالة الوجود وذهب الى الصالة الماهية
ولکن نقول : ان هذا الزعم ناشيء عن الغفلة عن معني (موجود) فانه قد يتضح للفظ موجود معني آخر اوسع من الأول. وهو المعني المشترک الذي يشمله ويشمل معني ثانيا وهو مالا يکون الوجود زائدا عليه بل کونه موجودا هو بعينه کونه وجودا لا أن له وجود آخر وذلک بان يکون معني موجود منتزعا من صميم ذات الوجود لا باضافة وجود آخر زائد عليه. فانه يقال مثلا ـ : الانسان موجود وهو صحيح ولکن باضافة الوجود الى الانسان ويقال أيضا : الوجود موجود. وهو صحيح أيضا ولکن بنفسه لا باضافة وجود ثان اليه وهو أحق بصدق الموجود عليه. کما يقال : الجسم أبيض باضافة البياض اليه. ويقال : البياض أبيض ولکنه بنفسه لا ببياض آخر وصدق الابيض عليه أولي من صدقه على الجسم الذي صار أبيض بتوسط اضافة البياض اليه.
وعلي هذا يکون المشتق منتزعا من نفس الذات المتصلة بدلا من اضافة شيء خارج عنها اليها. فتکون کلمة ابيض (وکذلک کلمة موجود ونحوها) معناها اعم مما کان منتزعا من اتصاف الذات بالمبدأ الخارج عنها ومما کان منتزعا من نفس الذات التي هي نفس المبدأ.
فاذا زال الالتباس واتضح للعقل معني کلمة (موجود) لا يتردد في صحة حملها على الوجود بل يراه اولي في صدق الموجود عليه من