احساسنا فيحصل بتکرر المشاهدة مايوجب أن يرسخ في النفس حکم لا شک فيه کالحکم بأن کل نار حارة وان الجسم يتمدد بالحرارة. ففي المثال الأخير عندما نجرّب أنواع الجسم المختلفة من حديد ونحاس وحجر وغيرها مرّات متعددة ونجدها تتمدد بالحرارة فانا نجزم جزما باتّاً بان ارتفاع درجة حرارة الجسم من شأنها أن تؤثر التمدد في حجمه کما ان هبوطها يؤثر التقلص فيه. واکثر مسائل العلوم الطبيعية والکيمياء والطب من نوع المجربات.
وهذا الاستنتاج في التجربيات من نوع الاستقراء الناقص المبني على التعليل الذي قلنا عنه في الجزء الثاني انه يفيد القطع بالحکم. وفي الحقيقة أن هذا الحکم القطعي يعتمد على قياسين خفيين : استثنائي واقتراني يستعملهما الانسان في دخيلة نفسه وتفکيره من غير التفات غالبا.
والقياس الاستثنائي هکذا :
لو کان حصول هذا الاثر اتفاقيا لا لعلة توجبه لما حصل دائما.
ولکنه قد حصل دائما (بالمشاهدة) ... حصول هذا الاثر ليس اتفاقيا بل لعلة توجبه.
__________________
(١) من شأنه أن يؤثر ، ظ.
(٢) راجع شرح المنظومة : ص ٩٠ ، وشرح المطالع : ص ٣٣٤ ، والقواعد الجلية : ص ٣٩٥ ، والجوهر النضيد : ص ١٧٠ ، والنجاة : ص ٦١.
(٣) المراد من الدوام هنا هو حصول الشئ مكررا من دون تخلف ، لا الدوام بمعناه المعهود الذي قد مر في الموجهات.
(٤) لا يخفى بملاحظة ما سيأتي في الفرق بينهما وبين الحدسيات ، أن المراد من «العلة» ليس هي العلة المعلومة بالنوع أو الشخص ، بل المراد أصل وجود علة لها ، وإن لم يعلم أنها ما هي؟ ولكن يرد عليه أن التجربي يعين العلل فيقول : السقمونيا علة لإسهال الصفراء ، والحرارة علة للانبساط ، والبرودة علة للانقباض.