الکائنات المادية أما کل واحدة منا فليست بعلة تامة فکيف صح ان تفرضوا وقوع البرهان اللمي في کل واحدة منها؟
وهذا کلام صحيح في نفسه ولکن انما صح فرض وقوع البرهان اللمي في واحدة من الاربع ففي موضوع تکون العلل الباقية مفروضة الوقوع متحققة وان لم يصرح بها فيلزم حينئذ من فرض وجود تلک العلة التي أخذت حدا أوسط وجود المعلول بالفعل لفرض حصول باقي العلل. لا لأنه يکتفي باحدي العلل الاربع مجردة في التعليل ولا لأن الواحدة منها هي مجموع العلل بل لانها حسب الفرض لا ينفک وجودها عن وجود جميعها فتکون کل واحدة مشتملة على البواقي بالقوة وقائمة مقامها. ولنتکلم عن کل واحدة من العلل کيف يکون فرض وجودها فرضا للبواقي فنقول :
أما العلة الصورية فانه اذا فرض وجود الصورة فقد فرض وجود المعلول بالفعل لأن فعلية الصورة فعلية لذيها فلا بد مع فرض وجود المعلول ان تکون العلل کلها حاصلة والاّ لما وجد وصار فعليا.
وکذا (العلة الغائية) فانما يفرض وجود الغاية بعد فرض وجود ذي الغاية وهو المعلول لان الغاية في وجودها الخارجي متأخرة عن وجود المعلول بل هي معلولة (١) له وانما العلة له هي الغاية بوجودها الذهني العلمي.
وأما (العلة المادية) فانه في کثير من الامور الطبيعية يلزم عند حصول استعداد المادة لقبول الصورة حصول الصورة بالفعل کما لو وضعت البذرة
__________________
(١) لا يخفى ما فيه ، فإن الغاية بوجودها الخارجي إذا كان معلولا ـ كما اعترف به ـ كان أخذها بوجودها الخارجي في البرهان موجبا لكون البرهان من البرهان الإني. فالحق أن يقال : إن العلة الغائية إنما تؤخذ في البرهان فيما إذا اجتمعت سائر الشرائط وكانت العلة الغائية باعثة بالفعل.