الطرق العقلية عاجزة عن التأثير على عقائد الناس وتحويلها لعجزها عن التأثير على عواطفهم المتحکمة فيهم.
بل لا يقتصر هذا الامر على الجمهور بما هو جمهور فان کل فرد من أفراد العامة اذا کان قليل الثقافة والمعرفة هو أبعد ما يکون عن الاقتناع بالطريق البرهانية او الجدلية بل اکثر الخاصة المثقفين وان ظنوا في انفسهم المعرفة وحرية الرأي ينجذبون الى الطرق المقنعة المؤثرة على العواطف وينخدعون بها. بل لا يستغنون عنها في کثير من آرائهم واعتقاداتهم بالرغم على قناعتهم بمعرفتهم وثقافتهم التي قد يتخيلون انهم قد بلغوا بها الغاية.
فيجب أن تکون المخاطبة التي يتلقاها الجمهور والعامي وشبهه من نوع لا تکون مرتفعة ارتفاعا بعيدا عن درجة مثله. ولذا قيل : «کلم الناس على قدر عقولهم»(١).
ولم تبق لنا صناعة تناسب هذا الغرض غير صناعة الخطابة فان الاسلوب الخطابي أحسن شيء للتأثير على الجمهور والعامي. وکل شخص استطاع ان يکون خطيبا بالمعني المقصود من الخطابة في هذا الفن فانه هو الذي يستطيع ان يستغل الجمهور والعوام ويأخذ بأيديهم الى الخير او الشر.
فهذا وجه حاجتنا معاشر الناس الى صناعة الخطابة ولزم على من يريد قيادة الجمهور الى الخير ان يتعلم هذه الصناعة وهي عبارة عن معرفة طرق الاقناع.
فان الخطابة انجح من غيرها في الاقناع کما ان الجدل في الالزام انفع.
__________________
(١) الأصل فيه ما روي عن الصادق (عليه السلام) قال : ما كلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) العباد بكنه عقله قط ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنا معاشر الأنبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم» روضة الكافي : ص ٢٦٨ ح ٣٩٤.