فهذا التعبير أو التصوير من جهة صادق ومن جهة أخري کاذب ولکنه في عين کونه کاذبا هو صادق. وهذا من العجيب. ولکن معناه ان المراد الجدي أي المقصود بيانه واقعا وجدّا من هذا التخييل صادق في حين ان نفس التخييل الذي ينبغي ان نسميه المراد الاستعمالي کاذب.
وليتضح لک هذا المعني تأمل نظيره في تصوير الصورة الکاريکاتورية فان المصور قد يضفي على الصورة ما يدل على الغضب أو الکبرياء من ملامح تخيلها المصور وليست هي حقيقية لصاحب الصورة بالشکل الذي تخيله المصور وهي مراد استعمالي کاذب. أما المراد الجدي وهو بيان أن الشخص غضوب أو متکبر فان التعبير عنه يکون صادقا لو کان الشخص واقعا کذلک أي غضوبا أو متکبرا. فاذن انما التخييل الکاذب وقع في المراد الاستعمالي لا الجدي.
وکذلک نقول في الشعر ولا سيما ان أکثر ما يأتي فيه التخييل بالمبالغات کالمبالغة بالمدح او الذم أو التحسين او التقبيح والمبالغة ليست کذبا في المراد الجدي اذا کان واقعه کذلک ولکنها کاذبة في المراد الاستعمالي. وليس هذا من الکذب القبيح المذموم ما دام هو ليس مرادا جديّاً يراد الاخبار عنه حقيقة.
مثلا قد يشبه الشعراء الخصر الدقيق بالشعرة الدقيقة فهذا تصوير لدقة الخصر. فان أريد به الاخبار حقيقة وجدّا عن ان الخصر دقيق کالشعرة أي أن المراد الجدي هو ذلک فهو کذب باطل وسخيف وليس فيه أي تأثير على النفس ولا تخييل فلا يعد شعرا. ولکن في الحقيقة ان المراد الجدّي منه اعطاء صورة للخصر الدقيق لبيان أن حسنه في دقته يتجاوز الحد المألوف في الناس وانما يکون هذا کاذبا إذا کان الخصر غير دقيق لان الواقع يخالف المراد الجدي. اما المراد الاستعمالي وهو التشبيه بالشعرة فهو کاذب ولا ضير فيه ولا قبح ما دام المراد به التوصل الى التعبير عن ذلک المراد الجدي بهذه الصورة الخيالية.