نزل القرآن الكريم بلغة العرب ، وعلى أساليب العرب وكلامهم (١) ، يقول تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢) ويقول (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٣) ، ويقول (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٤) ، ويقول (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٥) ، وهذا طبيعي لأنه أتى يدعو العرب ـ بادئ ذي بدء ـ ثم الناس كافة ، إلى الإسلام ، فلا بد أن يكون بلغة يفهمونها ، تصديقا لقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» (٦).
ورغم أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي ، وفي بيئة عربية كانت تفاخر من نواحي الحضارة بفن القول ، فإنه لم يكن كله في متناول الصحابة جميعا يستطيعون أن يفهموه ـ إجمالا وتفصيلا ـ بمجرد أن يسمعوه ، لأن العرب ـ كما يقول ابن قتيبة (٧) ـ لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض ، ومن هنا فليس صحيحا ما ذهب اليه «ابن خلدون» (٨) من أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ،
__________________
(١) أنظر تأويل مشكلات القرآن لابن قتيبة ص ٦٢
(٢) سورة يوسف : آية ٢
(٣) سورة الزمر : آية ٢٨
(٤) سورة الزخرف : آية ٣
(٥) سورة الشعراء : آية ١٩٢ ـ ١٩٥ ، وانظر الرعد (٣٧) والنحل (١٠٢ ـ ١٠٣) وطه (١١٣) وفصلت (١ ـ ٣ ، ٤٤) والشورى (٧) والأحقاف (١٢)
(٦) سورة إبراهيم : آية ٤
(٧) ابن قتيبة : رسالة في المسائل والأجوبة ص ٨
(٨) مقدمة ابن خلدون ص ٣٦٦