تراه يشب في اليوم ما يشبه غيره في الشهر (١).
والرواية على هذا النحو مزيج عجيب من روايات مختلفة ، فضلا عن أن سهام الريب توجه إليها من كل جانب ، وليس بالوسع القول أنها ترقى إلى ما فوق مظان الشبهات ، ولعل أهم ما يوجه إليها من شبهات يتلخص في نقاط : منها (أولا) أن تلك الأسطورة التي تتردد في المصادر العربية ـ دون غيرها من المصادر والحقائق التاريخية ـ عن الملوك الاربعة الذين حكموا الدنيا بأسرها ، لا تتفق والحقائق التاريخية أبدا ، فأول هؤلاء الملوك ـ وأعني به نمرود ـ قد لا يعلم أصحاب هذه الأسطورة أن التاريخ البابلي لا يعرف ملكا بهذا الإسم ـ حتى الآن على الأقل ـ ولست أدري من أين جاء به أصحابنا المؤرخون الإسلاميون ، وأكبر الظن أنهم أخذوه من توراة يهود ، حيث جاء فيها «وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارا في الأرض ... وكان ابتداء مملكته بابل وأرك وأكد وكلنه في أرض شنعار» (٢) ، على أن التاريخ يعرف بلدا باسم «نمرود» ـ على مجرى الزاب الأعلى ـ وقد كانت عاصمة للامبراطورية الآشورية على أيام سرجون الثاني (٧٢٢ ـ ٧٠٥ ق. م.) ، وهي نفسها مدينة «كالح» في التوراة (٣) ، وهكذا خلط كاتب سفر التكوين بين الملك والمدينة ، ثم جاء مؤرخونا ونقلوا ما في التوراة ، وكأنه التاريخ الذي يرقي فوق كل هواتف الريبة والشك.
وأما «نبوخذ نصر» ـ أو بختنصر كما يدعونه ـ (٦٠٥ ـ ٥٦٢
__________________
(١) ابن الأثير ١ / ٩٤ ـ ٩٥ ، الطبري ١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٧ ، أبو الفداء ١ / ١٣ ، ابن كثير ١ / ١٤٨ ، المحبر ص ٣٩٢ ـ ٣٩٤ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٨١ ، ١٨٢ ، مروج الذهب ١ / ٥٦ ، تاريخ الخميس ص ٨٩ ـ ٩١ ، ١١٤ ، المقدسي ٣ / ٤٥ ـ ٤٨ ، ٥٣ ، ٥٤
(٢) تكوين ١٠ : ٨ ـ ١٠
(٣) تكوين ١٠ : ١١