قمتها فيما يتصل بموسى عليهالسلام ، بل إن بعض المؤرخين إنما جعل بني إسرائيل انفسهم ـ وليس المنجمين ـ هم الذين كانوا يرددون هذه النبوءة ، وأن صاحبها هو الخليل نفسه (١).
ولعل سؤال البداهة الآن : لم يصرّ هؤلاء المؤرخون على أن يجعلوا المنجمين يعلمون الغيب من الأمر؟ حتى أنهم في قصة إبراهيم ، إنما يحددون مولده بالسنة ، بل والشهر كذلك ، وإن لم يقل لنا أصحابنا المؤرخون : متى كان هذا الشهر ، وتلك السنة ، ثم ألا تبدو الصنعة واضحة في ولادة الخليل في مغارة ، ثم تركه وحيدا فيها ، ثم زيارة أمه له يوما بعد يوم ، دون أن يدري الملك ـ أو حتى أبو الخليل نفسه ـ شيئا عن ذلك ، ثم من أين اتى المؤرخون بكل هذا القصص؟
والرأي عندي أنه ربما صاحبت مولد الخليل عليهالسلام بعض الخوارق ، فذلك أمر لا ننكره ، وما كان لنا أن ننكره ، ولكن أن تكون الخوارق بهذه الطريقة التي يذكرها مؤرخونا ، وأن تتكرر مع بعض الأنبياء على نفس الوتيرة ، مع تغيرات طفيفة في السرد القصصي ، فذلك ما نراه أمر اختلاق ، لعبت الإسرائيليات فيه الدور الأول ، ثم شاء لمؤرخينا علمهم أن يزيدوا فيها ، وهم يعلمون أن التوراة محرفة ، فما زادوا ـ والحال هذه ـ على أن نقلوا التحريف ، بل وربما في بعض الأحايين أن حرفوا التحريف نفسه ، فأتت كتاباتهم على هذا النحو أو ذاك.
__________________
(١) ابن الأثير ١ / ١٧٠ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٧ ، ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، ابن كثير ١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٣ ، مروج الذهب ١ / ٥٦ ، متى ٢ : ١ ـ ٢٢ ، قارن : تفسير المنار ١ / ٣١٣ ، المقدسي ٣ / ٤٥ ، تفسير الطبري ١٢ / ٦٥ ـ ٦٧ ، قصة مشابهة عن قوم صالح عليهالسلام.