النبي الكريم لم يتجاوز فلسطين بحدودها المعروفة (١) ، بل إن التوراة نفسها ـ رغم المبالغات المعروفة عنها ، بخاصة إذا كان الأمر يتصل بملك سليمان ـ ترى أن مملكة إسرائيل ، في أقصى اتساع لها ، وفي أزهى العهود ، إنما كان «من دان إلى بئر سبع» (٢) ، وهي حدود قد لا تشمل حتى فلسطين كلها.
وأما الإسكندر المقدوني (٣٣٦ ـ ٣٢٣ ق. م.) ـ إن كان هو المقصود بذي القرنين ، وهو أمر تحيط به الشكوك ـ فلعله أكثر الأربعة اتساعا في الملك ، ولكنه بالتأكيد لم يملك الدنيا بأسرها ، كما أنه لم يكن مؤمنا ، بل إن الرجل إنما كان يؤله في كل بلد تضعه الأقدار تحت حكمه (٣).
ومنها (ثانيا) هذا التردد في معرفة آزر بمولد ولده ، ألا يدعو إلى التساؤل : كيف أخفت أم إبراهيم وليدها عن أبيه؟ ثم مرة أخرى : آزر يخاف على وليده من الملك ، فأي الروايتين هي الصحيحة؟ ومنها (ثالثا) هذا الإصرار العجيب في المصادر العربية ، على ترديد رواية إعلام المنجمين للملوك بمولد الأنبياء ـ يحدث هذا في مولد إبراهيم ، كما يحدث في مولد الكليم والمسيح عليهماالسلام ، بل لقد رآه البعض كذلك في مولد «زرادشت» نبي الفرس المزعوم ، وإن كانت الاسرائيليات تبلغ
__________________
(١) أنظر مقالنا «العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة» مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية ـ العدد السادس ، ١٩٧٦ ، ملوك أول ٩ : ١١ ، ١٦ ، وكذا J. Breasted, A History of Egypt, From the Earliest Times to Persian Conquest, P. ٩٢٥. C. Roth. Ashort History of the Jewish People, P. ١٢ H. G. Wells, Ashort History of the World, PP. ٦٧ ـ ٧٧, A. Lods, Israel, Fromits Beginnings to the Middle of the Eight Century, P. ٨٦٣, H. R. Hall, The Ancient History of the Near East, P. ٣٣٤, M. Noth, op - cit, P. P. ٥٠٢ ـ ٦٠٢
(٢) قضاة ٢٠ : ١ ، صموئيل أول ٣ : ٢٠ ، صموئيل ثان ٢٣ : ٢ ، أخبار أيام ثان ٢١ : ٣١
(٣) و. و. تارن : الإسكندر الأكبر ، ترجمة زكي علي ، ص ١٧٨ ـ ١٨٠