الهجرة اضطراب سياسي في جنوب العراق ، أصابت جرائره معيشة أهل أور ، فلم تستقر عليه أحوال المعيشة والتجارة في أور (١).
ويرى أستاذنا الدكتور الناضوري أن هجرة إبراهيم عليهالسلام ، تتصل اتصالا وثيقا بالأحداث التاريخية التي كانت سائدة في جنوب بلاد الرافدين في بداية الألف الثاني ق. م. ، حيث كان عصر الاختلال الاموري والعيلامي ، أو كما يطلق عليه أيضا عصر إيسين ولارسا ، وهو المرحلة التاريخية التي حدثت أثناءها عدة تحركات بشرية مثل تحركات العناصر العيلامية من سوسة بعيلام ، وتحركات العناصر الآمورية من سورية بحذاء نهر الفرات ، مما أدى إلى ازدياد ظاهرة الصراع السياسي والحضاري بين حكومات المدن السومرية والأكدية ، وتلك العناصر الوافدة ، وكان ذلك من الأسباب المباشرة والتي أدت إلى هجرة إبراهيم عليهالسلام وجماعته إلى حاران (٢) ، وهكذا ترجع هجرة الخليل إلى الأسباب السياسية والاقتصادية في نفس الوقت ، كما أنها كانت من «أور» ، ولم تكن من حاران كذلك.
وليس هناك من شك ـ فيما نعتقد ـ في أهمية الأسباب الاقتصادية والسياسية في الهجرات بصفة عامة ، غير أن الأمر في حالة الخليل ـ عليهالسلام ـ جد مختلف ، ومن ثم فعلينا أن نتذكر ـ بادئ ذي بدء ـ أن إبراهيم لم يكن ملكا من الملوك ، وإنما كان نبيا رسولا ، هذا إلى أن هجرة رجل بأسرته ، لا تعني في كل الأحوال اضطراب الأمور في البلد الذي هاجر منه ، إلا إذا كانت هناك هجرة جماعية ، ولهذا فالرأي عندي أن هجرة إبراهيم لم تكن لأسباب سياسية أو اقتصادية في الدرجة
__________________
(١) عباس العقاد : المرجع السابق ص ٦٢
(٢) رشيد الناضوري : المدخل في التطور التاريخي للفكر الديني ص ١٧٣ ـ ١٧٤