خوارق الفلك ، وأسندت إليه واقعة بينة البطلان بذاتها ، وغير قابلة الوقوع ... وواضح من أسلوب نقدهم أنهم يكتبون لإثبات دين ، وإنكار دين ، ولا يفتحون عقولهم للحجة حيث تكون ، فضلا عن الاجتهاد في طلب الحقيقة ، قبل أن يوجههم إليها المخالفون والمختلفون ، أما الواقع الغريب حقا ، فهو طواف إبراهيم بين أنحاء العالم المعمور ، ووقوفه دون الجنوب ، لغير سبب بل مع تجدد الأسباب التي تدعوه إلى الجنوب ، ولو من قبيل التجربة والاستطلاع.
ويستطرد الأستاذ العقاد (١) ـ طيب الله ثراه ـ مبينا الأسباب التي تدعو الخليل إلى الاتجاه نحو الجنوب ـ نحو الحجاز ـ ذلك لأنه لم يكن صاحب وطن عند بيت المقدس ، سواء نظرنا إلى وطن السكن أو وطن الدعوة أو وطن المرعى ، فالمتواتر من روايات التوراة أنه لم يجد هناك مدفنا لزوجه فاشتراه من عفرون الحثي (٢) ، أما الدعوة الدينية فقد كانت الرئاسة فيها الأحبار «إيل عليون» وكان إبراهيم يقدم العشر أحيانا لأولئك الأحبار (٣) ، ومن المعروف أن من كان معه أتباع يخرجون في طلب المرعى ، فلا بد لهم من مكان يسيمون فيه إبلهم وماشيتهم بعيدا عن المزاحمة والمنازعة ، وهكذا كان إبراهيم يعمل في أكثر أيامه ـ كما تواترت أبناؤه في سفر التكوين ـ فلا يزال متجها نحو الجنوب.
وهناك أسباب دينية غير الأسباب الدنيوية توحي إليه أن يجرب المسير الى الجنوب ، حيث يستطيع أن يبني لعبادة الله هيكلا ، غير الهياكل التي كان يتولاها الكهان والأحبار من سادة بيت المقدس في ذلك الحين ، فقد بدا له أن
__________________
(١) عباس العقاد : المرجع السابق ص ١٩١ ـ ١٩٣
(٢) تكوين ٢٣ : ٤ ـ ٢٠ ، وانظر مقالنا «قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة»
(٣) تكوين ١٤ : ١٨ ـ ٢٠