إقامة المذابح المتعددة فتنت أتباعه وجعلتهم يتقربون في كل مذبح إلى الرب المعبود بجواره ، ومثل هذه الفتنة بعد عصر إبراهيم قد أقنعت حكماء الشعب بحصر القربان في مكان واحد ، فاتخذوا له خيمة وانتظروا الفرصة السانحة لبناء الهيكل حيث يقدرون على البناء ، هذا إلى جانب أن الأهمية الدينية لبيت المقدس جاءت متأخرة بعد عصر إبراهيم وعصر موسى بزمن طويل ، حتى استولى داود (١٠٠٠ ـ ٩٦٠ ق. م.) على المدينة المقدسة في العام الثامن من حكمه ، ثم اتخذها عاصمة له (١) ، ثم جاء من بعده ولده سليمان (٩٦٠ ـ ٩٢٢ ق. م.) ، فأقام فيها هيكله المشهور (٢) ، وبقي أمرها كذلك حتى عهد «يوآش» (٨٠١ ـ ٧٨٦ ق. م.) ملك إسرائيل ، الذي حارب «أمصيا» (٨٠٠ ـ ٧٨٣ ق. م.) ملك يهوذا ، وهدم أسوار أورشليم من باب أفرايم (٣)
أما الجنوب المسكوت عنه ، فقد كان له شأن من القداسة الى أيام «أرمياء» وما بعدها ، وكانت كلمة «تيمان» مرادفة لكلمة الحكمة والمشورة الصادقة ، وهي تقابل كلمة «يمن» في اللغة العربية بجميع معانيها ، ومنها الإشارة إلى الجنوب ، ففي سفر حبقوق «الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران» (٤) ، وأوضح من ذلك قول إرمياء متسائلا «ألا حكمة بعد في تيمان ، هل بادت المشورة من الفهماء» (٥) ، وأيسر ما يستوجب طالب الحقيقة أن يتساءل : كيف يكون هذا الجنوب موصدا أمام إبراهيم ، وكيف يطوف الأقطار جميعا ولا ينفتح له الباب
__________________
(١) انظر كتابنا اسرائيل ص ٤٥٥ ـ ٤٦٤
(٢) انظر كتابنا اسرائيل ص ٤٦٤ ـ ٤٧١
(٣) ملوك ثان ١٣ : ١٣ ـ ١٤
(٤) حبقوق ٣ : ٣
(٥) إرمياء ٤٩ : ٧