الذي لا موصد عليه؟ إن كان أحد الطرفين مفتوحا أمامه ، فليس هو طريق بيت المقدس ، بل طريق الحجاز.
ورغم ذلك كله ، يأتي المستشرق الإنجليزى «سير وليم موير» ، وينفي القصة من أساسها في كتابه «حياة محمد» (١) ويذهب ـ فيما يروي عنه الدكتور هيكل (٢) ـ أنها بعض الإسرائيليات ابتدعها اليهود قبل الإسلام بأجيال ، ليربطوا بها بينهم وبين العرب ، بالاشتراك في أبوة إبراهيم لهم جميعا ، فلئن كان إسحاق أبا لليهود ، وإذا كان أخوه إسماعيل أبا للعرب ، فهم إذن أبناء عمومة توجب على العرب حسن معاملة النازلين بينهم من اليهود ، وتيسر لتجارة اليهود في شبه الجزيرة العربية.
ويستند المؤرخ الانجليزي في ذلك إلى أن أوضاع العبادة في بلاد العرب لا صلة بينها وبين دين إبراهيم ، لأنها وثنية مغرقة في الوثنية ، وكان إبراهيم حنيفا مسلما ، غير أن وثنية العرب ـ فيما يرى الدكتور هيكل ـ بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرون كثيرة لا تدل أنهم كانوا كذلك ، حين جاء إبراهيم إلى الحجاز ، حين اشترك مع إسماعيل في بناء الكعبة ، ولو أنها كانت وثنية يومئذ لما أيّد ذلك رأي «موير» ، فقد كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام ، وحاول هو هدايتهم فلم ينجح ، فإذا دعا العرب الى مثل ما دعا إليه قومه فلم ينجح وبقي العرب على عبادة الأوثان ، لم يطعن ذلك في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى مكة ، بل إن المنطق ليؤيد رواية التاريخ ، فإبراهيم الذي خرج من العراق فارا من أهله إلى فلسطين ومصر ، رجل ألف الارتحال وألف اجتياز الصحارى ، والطريق ما بين
__________________
(١) Sir William Muir, The Life of Mohammad, Edinburgh, ٣٢٩١
(٢) محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ٩٠ ـ ٩١ (طبعة ١٩٦٥)