فلسطين ومكة كان مطروقا من القوافل منذ أقدم العصور ، فلا محل إذن للريبة في واقعة تاريخية انعقد الإجماع على جملتها (١).
هذا فضلا عن أنه إن كانت وثنية العرب هي دليل «وليم موير» على عدم انتسابهم إلى إبراهيم ، فإن الإسرائيليين لم يكونوا خيرا منهم في ذلك ، فقد بقيت عبادة الأوثان فيهم ، بعد دعوة إبراهيم ، وحتى ظهور الأنبياء من بعده ، حدث ذلك أثناء عهد يعقوب (٢) ـ أو إسرائيل كما يكنى ـ وفي أثناء إقامتهم بمصر (٣) ، وفي أثناء الخروج بقيادة موسى ، وفي التيه في صحراوات سيناء (٤) ، بل إن التراث الديني اليهودي ليزخر بأدلة لا تقبل الشك ، على أن اليهود الذين رافقوا موسى إلى سيناء ، لم يكونوا كفؤا لعبء حمل التوحيد وفلسفته التجريدية الروحية الرفيعة ، ولم يجدوا فيما تقدمه الديانة الجديدة ما يشبع حاجتهم إلى الاعتبارات المادية ، بل إنه لا يفهم من حادث واحد من حوادث الرحلة ، أن القوم كانوا يؤثرون الفرار حرصا على عقيدة دينية ، فإنهم أسفوا على ما تعوده من المراسيم الدينية في مصر ، وودوا لو أنهم يعودون إليها ، أو يعبدونها ممسوخة منسوخة في الصحراء (٥) ، وأبلغ دليل على ذلك قصة عبادة العجل التي وردت في القرآن الكريم (٦) ـ وكذا في التوراة (٧) ـ إذ عبد القوم عجل الذهب ، وموسى ما يزال بين ظهرانيهم يتلقى الوحي من ربه على جبال سيناء.
__________________
(١) نفس المرجع السابق ص ١٠٦ ـ ١٠٧ (طبعة ١٩٧١)
(٢) تكوين ٣٥ : ٢ ، ٤
(٣) لاويون ١٧ : ٧ ، يشوع ٢٤ : ١٤ ، حزقيال ٢٠ : ٧ ـ ٨ ، إرمياء ٤٤ : ٨ ـ ١٩
(٤) خروج ٢٢ : ٢٧ ـ ٢٨ ، ٩ : ١٥ ، ٢٠ : ٧ ـ ٢٦ ، تثنية ٩ : ٧
(٥) مطلع النور ص ١٠٧
(٦) سورة البقرة آية ٩٢ ، الاعراف : آية ١٤٢ ـ ١٥٢ ، طه : آية ٨٣ ـ ٩٨
(٧) خروج ٢٢ : ٧ ـ ٢٨