السكان في فلسطين ، وما جاورها إلى الجنوب ، وقد زار «هيرودوت» (٤٨٤ ـ ٤٣٠ ق. م.) بلاد العرب الشمالية عند مدخل مصر ، وروى أنهم كانوا يعبدون الله تعالى ، واللات أو إيليلات ، منذ قرون سابقه للقرن الخامس ق. م. ، ومن ثم فلم يكن النزاع على العقيدة في نشأته ، إلا فرعا من فروع التنازع على الميراث ، ولم يكن شأن الذرية الموعودة أو المختارة إلا أنها تعزز دعواها في ذلك النزاع ، وتنفي عنه من ينازعها عليه (١) ، ومن هنا كانت الدعوى بأن الذبيح كان إسحاق ، رغبة في اغتصاب شرف عرف لإسماعيل جد العرب.
وهكذا تقول اليهود والنصارى أن الذبيح إنما هو إسحاق ، معتمدين في ذلك على عدة عوامل ، منها (أولا) ما جاء في التوراة «خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق ، وأذهب إلى أرض المريا ، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك» (٢) ، ومنها (ثانيا) ما جاء في الإنجيل «بالإيمان قدم إبراهيم إسحاق وهو مجرب ، قدم الذي قبل المواعيد وحيده ، الذي قيل له إنه باسحاق يدعى لك نسل ، إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضا» (٣) ، ومنها (ثالثا) أن إسحاق قد ولد بطريقة خارقة للطبيعة ، وأنه قد أعطي اسما قبل أن تحمل به أمه (٤) ، ومنها (رابعا) ما يذهب إليه الدكتور ماير من أن هناك فوارق عظمى بين الأخوين ، فقد كان إسماعيل ابن الجارية ، وإسحاق ابن الزوجة الشرعية ، بل إنه ليبلغ به الشطط والتعصب الأعمى إلى أبعد من ذلك ، حين يرى أن إسحاق أرفع قدرا من إسماعيل بدرجة لا تترك مجالا للمقارنة بينهما (٥) ، ومنها (خامسا) بعض الروايات الإسلامية عن كعب الأحبار
__________________
(١) عباس العقاد : المرجع السابق ص ٨٧
(٢) تكوين ٢٢ : ٢
(٣) الرسالة إلى العبرانيين ١١ : ١٧ ـ ١٩
(٤) حبيب سعيد : المرجع السابق ص ٩٣ ، تكوين ١٨ : ٩ ـ ١٥
(٥) ف. ب. ماير : حياة إبراهيم ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦