من أن الذي امر إبراهيم بذبحه إنما كان إسحاقا (١).
وإذا أردنا مناقشة حجج اليهود والنصارى هذه ، فإننا نلاحظ عليها عدة نقاط ، منها (أولا) أنها تصف الذبيح بأنه ابن إبراهيم الوحيد ، وهو وصف لا يمكن ـ بحال من الأحوال ـ أن ينطبق على غير إسماعيل وحده في السنوات الأربعة عشرة الأولى من عمره ، والتي سبقت مولد إسحاق ، وانطلاقا من هذا ، فإن إسحاق لم يكتب له في يوم من الأيام أن يكون وحيد إبراهيم ، ذلك لأن إسماعيل قد عاش حتى وفاة إبراهيم ، ثم اشترك مع إسحاق في دفنه بمغارة المكفية ، كنص التوراة نفسها (٢) ، وهكذا لم يكن إسحاق أبدا وحيدا مع وجود إسماعيل ، أما إسماعيل فقد كان وحيدا قبل مولد إسحاق ، ومن هنا كانت لفظة إسحاق في نص التوراة «خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق» (٣) مقحمة ، لأنه لم يكن وحيدا ولا بكرا ، وإنما ذلك هو إسماعيل ، ولعل الذي حمل اليهود على ذلك هو حسد العرب (٤) ، وحرصا منهم على أن يكون أبوهم إسحاق هو الذبيح الذي جاد بنفسه في طاعة ربه ، وهو في حالة صغره ، هذا فضلا عن أن ذلك إنما يتعارض ونصوص أخرى من التوراة.
ومنها (ثانيا) أن ما جاء في الإنجيل ـ في الرسالة إلى العبرانيين ـ فقد كان الحل الذي ارتضاه فقهاء المسيحية للخروج من مشكلة : كيف يؤمر إبراهيم بذبح إسحاق ، وهو ابنه الموعود الذي يخرج منه الشعب المختار ، طبقا لرواية التوراة «باسحاق يدعى لك نسل» (٥) ، إذ لو كان إسحاق
__________________
(١) الطبري ١ / ٢٦٥ ، ابن كثير ١ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، ابن الأثير ١ / ١٠٩ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢٩٧ ، تفسير الطبري ٢٣ / ٧٧ ـ ٨٣ ، تفسير القرطبي ١٥ / ١٠١
(٢) تكوين ١٦ : ١٦ ، ٢٥ : ٩
(٣) تكوين ٢٢ : ٢
(٤) ابن كثير ١ / ١٥٩ ، راجع فتاوى ابن تيمية ٤ / ٣٣١ ـ ٣٣٢
(٥) تكوين ٢١ : ١٢