وتعالى ، حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم ، فإنه يقول «وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» (١) ، فالإتيان بالبشرى بعد ذكر القصة صريح في أن إسحاق غير الغلام الذي ابتلى الله إبراهيم بذبحه وعودة الضمير إلى الغلام الذبيح ، ثم ذكر اسم إسحاق معه صريحا ، يقتضي التغاير بين إسحاق والذبيح (٢).
ويضيف الإمام ابن تيمية إلى ذلك ، أن قصة الذبيح المذكورة في سورة الصافات (٣) تدل على أنه إسماعيل ، إذ يقول سبحانه وتعالى «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» ، فقد انطوت البشارة هنا على ثلاث : على أن الولد غلام ذكر ، وعلى أنه يبلغ الحلم ، وعلى أنه يكون حليما ، وأي حلم أعظم من أن يعرض عليه أبوه الذبح ، فيقول «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» ، ثم إنه لم يذكر قصة الذبيح في القرآن الكريم ، إلا في هذا الموضع ، وفي سائر المواضع يذكر البشارة باسحاق خاصة ـ كما في سورة هود (٤) ـ ثم إنه ذكر في البشارة في الصافات ، بأنه غلام حليم ، وحين ذكر البشارة باسحاق ، وصفه بأنه غلام عليم (٥) ، والتخصيص لا بد له من حكمة ، وهذا مما يقوّي اقتران الوصفين ، والحلم هنا مناسب للصبر الذي هو خلق الذبيح ، هذا فضلا عن أن إسماعيل قد وصف بالصبر ، دون إسحاق ، في قوله تعالى «وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ» (٦) ، وبصدق الوعد ، «إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ» (٧) ، لأنه
__________________
(١) سورة الصافات : آية ١١٢
(٢) عبد الوهاب النجار : المرجع السابق ص ١٠٢ ، فتاوى ابن تيمية ٤ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣
(٣) سورة الصافات : آية ٩٩ ـ ١١٣
(٤) سورة هود : آية ٧١ ـ ٧٢
(٥) سورة الحجر : آية ٥٣ ، الذاريات : آية ٢٨
(٦) سورة الأنبياء : آية ٨٥
(٧) سورة مريم : آية ٥٤