وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفىّ به ، ثم إن البشارة باسحاق كانت معجزة ، لأن العجوز عقيم ، وأنها كانت مشتركة بين إبراهيم وامرأته ، بينما البشارة بالذبيح فقد كانت لإبراهيم ، ثم امتحانا له ، دون الأم المبشرة به (١).
أضف إلى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول «وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» (٢) ، فكيف يأمره الله بذبحه ، وقد وعده أن يكون نبيا (٣) ، ثم إن البشارة باسحاق إنما كانت مقرونة بولادة يعقوب منه ، فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقا (٤) ، ومن هنا استدل محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل ، وليس إسحاقا ، حيث يقول سبحانه وتعالى «فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» (٥) ، فكيف تقع البشارة بإسحاق ، وأنه سيولد له يعقوب ، ثم يؤمر بذبح إسحاق ، وهو صغير قبل أن يولد له ، هذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة ، وهناك ما روي من أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي ، سأل رجلا من علماء اليهود ، كان قد أسلم وحسن إسلامه : أي ابنيّ إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن يهود لتعلم ذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه
__________________
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام احمد بن تيمية ٤ / ٣٣١ ـ ٣٣٥ ، وانظر : روح المعاني ٢٣ / ١٣٤ تفسير الطبري ٢٣ / ٨٥
(٢) سورة الصافات : آية ١١٢
(٣) تفسير القرطبي ص ٥٥٤٥ (طبعة الشعب)
(٤) روح المعاني ٢٣ / ١٣٤ ، تاريخ الخميس ص ١٠٨
(٥) سورة هود : آية ٧١ ، وانظر : تفسير الطبري ١٥ / ٣٨٩ ـ ٣٩٧ (دار المعارف ـ القاهرة ١٩٦٠)