المبارك ، إنما هو من تمام سنن الحج إلى هذا البيت المعمور ، ومن هنا يبدو لنا بوضوح أن الذين زعموا من يهود ـ ومن تابعهم في زعمهم هذا من نصارى ومسلمين ـ أن الفداء إنما كان في الشام ، قد أخطئوا كثيرا ، إذ لو كان الأمر كما يزعمون ، لكانت كل الشعائر التي تتصل بعملية الفداء هذه في الشام ، وليس في مكة.
ويذهب الإمام السيوطي إلى أن البشارة بمولود ، إنما جاءت مرتين ، الواحدة في قوله تعالى «وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» (١) ، فهذه الآيات الكريمة قاطعة في أن المبشر به هو الذبيح ، والأخرى في قوله تعالى «وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ ، قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ» (٢) ، وفي هذه الآيات الكريمة ، إنما المبشر به إسحاق ، وقد وقعت هذه البشارة في فلسطين ، لما جاءت الملائكة بسبب قوم لوط ، وهو في آخر مرة ، ولم تكن بدعوة من إبراهيم ، فهو شيخ كبير ، وامرأته عجوز ، وأما البشارة الأولى فقد كانت عند ما انتقل الخليل عليهالسلام من العراق إلى الشام ، وكانت بدعوة منه ، حيث كان في سن لا يستغرب منه الولد ، ومن ثم فقد سأل ربه أن يهبه غلاما من الصالحين ، وينتهي السيوطي إلى أنهما بشارتان في وقتين مختلفين ، بغلامين مختلفين ، الواحد بغير سؤال ـ وهو إسحاق ـ وقد جاء اسمه صريحا في الآيات الكريمة ، والآخر بسؤال ، وقد ارتبط
__________________
(١) سورة الصافات : آية ٩٩ ـ ١٠٢
(٢) سورة هود : آية ٧١ ـ ٧٢