ذاته ، فإنه ـ جل وعلا ـ قد أعطى الإنسانية نفسها ، مثلا حيّا في إبراهيم وابنه إسماعيل ، تمهيدا لمنع هذه العادة البربرية ، فيأمره بذبح ولده ، ثم يفتديه بكبش عظيم ، ومن هنا كان ارتباط هذا الحادث ارتباطا وثيقا ، بظاهرة التضحية البشرية ، التي كانت تمارس في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم ، والحث على استبدال ذلك التقليد بالتضحية الحيوانية (١).
ومن عجب ، أن ذرية إبراهيم من إسحاق ، لم يكونوا على مستوى الدعوة ، فبقيت فيهم عادة التضحية البشرية إلى ما بعد أيام موسى ونزول التوراة ، ويتضح هذا من رواية سفر الخروج (٢) ، حيث يحرم الله على بني إسرائيل أن يعطوا أبكار أبنائهم قربانا إلى الله تعالى ، كما يتضح كذلك من سفر اللاويين (٣) ، حيث ينص على عقوبة الرجم لمن يعطي ابنه قربانا لملكوم ـ إله العمونيين ـ وقد كانوا يقدمون له الذبائح البشرية ، لا سيما من الأطفال (٤).
ومع ذلك فقد ظل أمراء بني إسرائيل ينذرون أبناءهم ، محرقة على المذابح ، كما فعل «يفتاح الجلعادي» حين نذر للرب «إن دفعت بني عمون ليدي ، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون ، يكون للرب ، وأصعده محرقة» (٥) ، وتشاء الأقدار أن تكون ابنته الوحيدة هي التي تهب للقائه عند ما عاد من معركته هذه ، ومن ثم فقد اضطر أن يفي بنذره هذا بعد شهرين (٦).
__________________
(١) رشيد الناضوري : المرجع السابق ص ١٧٤
(٢) خروج ٢٢ : ٩
(٣) لاويون ١٨ : ٢١ ، ٢٠ : ٢
(٤) قاموس الكتاب المقدس ٢ / ٧٢١
(٥) قضاة ١١ : ٣٠ ـ ٣١
(٦) قضاة ١١ : ٣٤ ـ ٤٠