الآيتين الكريمتين ، «وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ» (١) و «إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ» (٢) ، لتتفق مع هذا الهدف ، فرأى أنهما تلهمان أن هذه المنطقة كانت معروفة ، وأن الكعبة ربما أقامت على أنقاض معبد قديم ، جرت عليه أحداث تاريخية وجغرافية غيرت من طبيعة المكان وأهمل هذا المعبد ، حتى هيئ لإبراهيم أن يرفع قواعده من جديد (٣).
والرأي عندي أن الكعبة المشرفة ، إنما ترجع في بنائها إلى الخليل وولده إسماعيل ، عليهماالسلام (٤) ، دون غيرهما من العالمين ، يقول سبحانه وتعالى «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ، وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (٥) ، ويقول
__________________
(١) سورة الحج : آية ٢٦
(٢) سورة البقرة : آية ١٢٧
(٣) احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٦٧ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٥٤ ، قارن : تفسير القرطبي ٢ / ١٢٠ ، الكشاف ١ / ٣١١
(٤) نلاحظ في الآية الكريمة «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ» ، تأخير ذكر اسماعيل عن ذكر المفعول ، إشارة إلى أن المأمور من الله إنما هو إبراهيم ، وإنما كان إسماعيل مساعدا له ، وقد ورد أنه كان يناوله الحجارة (تفسير المنار ١ / ٤٦٩ ، البداية والنهاية ١ / ١٥٦) ، ثم قارن تفسير الطبري ٣ / ٦٤ ـ ٦٧ ، ٧١ ـ ٧٢ ، حيث نرى أن النبيين الكريمين قد رفعا القواعد معا بدليل قوله تعالى «رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (البقرة : آية ١٢٧ ـ ١٢٨).
(٥) سورة البقرة : آية ١٢٥ ـ ١٢٧