سبحانه وتعالى «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ» (١) ، ويقول «وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً ، وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (٢).
ويرى الإمام ابن كثير وغيره من العلماء ، أنه لم يجيء في خبر صحيح عن المعصوم (صلىاللهعليهوسلم) أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليهالسلام (٣) ، ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت ، فليس بناهض ولا ظاهر ، لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته ، المعظم عند الأنبياء ، موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم ، ولنعرف ذلك كله ، فلنعد إلى القصة من أولها.
استجابت هاجر لما ارتآه الخليل عليهالسلام ـ كما أشرنا آنفا ـ من أن يجنبها النزاع الذي قد يتفاقم بين سارة وهاجر ، والغيرة التي قد تقتل سارة ، وتزعج أمن إبراهيم واستقراره ، ومن ثم فقد قام الخليل برحلته إلى الحجاز ، ومعه هاجر وإسماعيل ، امتثالا لأمر الله ورغبة في نشر الايمان في بيئة جديدة ، وفي مناخ جديد ، وإلا لو كان الأمر مجرد إبعاد هاجر وولدها إسماعيل عن سارة ، لكان الأولى بإبراهيم ـ وهو الرحيم بولده ، الحنون على زوجته ـ أن يذهب بهما إلى أرض الكنانة ، فيحقق بذلك عدة أغراض ، تستقر زوجته عند أهلها ، ويطمئن على ولده عند خئولته ، ولا
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٩٦ ـ ٩٧
(٢) سورة الحج : آية ٢٦ ـ ٢٧
(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٦٣ ، الكشاف ١ / ٤٤٦ ، تفسير المنار ١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، تفسير الطبري ٣ / ٧٠ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٩٨ تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٧