نقول يرد المرأة إلى أهلها ، بدل أن يقذف بها هناك في صحراء جرداء ، لا زرع فيه ولا ماء.
ولكن الخليل ـ عليهالسلام ـ لم يكن يفعل ما فعل بأمر من نفسه ، أو بأمر من سارة ـ كما يحلوا للسطحيين من المؤرخين ـ وإنما كان يفعل ذلك كله بأمر من رب إبراهيم ، تمهيدا لأعظم مهمة ، خلدت ذكر إبراهيم ، وهدت أقواما إلى الإيمان بالواحد القهار ، أعني أول بيت وضع للناس ـ بيت الله الحرام ـ وليعيش إسماعيل هناك ، وحتى يخرج من ظهره أشرف الأولين والآخرين ، رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) وحتى تنشأ هناك خير أمة أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، وهكذا ، فالرأي عندي أن هجرة أبي الأنبياء بولده الحبيب وأمه ، إنما كانت لأمر أراده الله ، وليست انتقاما من سارة ، أرادت به أن يذهب الخليل بزوجه وولده إلى مكان سحيق ، لا تعرف عنهم شيئا ، ثم يعود إليها الخليل وحده ، ولهذا يتجه البعض أن هجرة إبراهيم بولده وزوجته إلى الأرض المقدسة في الحجاز إنما كانت بعد أن أمر الله إبراهيم ببناء البيت (١).
ومن هنا فإن الروايات التي ذهبت إلى أن سارة في قرارها الغاضب هذا أقسمت لتقطعنّ من هاجر ثلاثة أعضاء ، ومن ثم فقد أمر الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها ، فتبر بقسمها ، وهكذا كانت هاجر أول من اختتن من النساء ، وأول من ثقبت أذنيها منهن (٢) ، روايات لا تتفق ومكانة الخليل أبدا ، فضلا عن جهل فاضح بالتاريخ.
وليت الذين يذكرون ذلك كله يعرفون أن المصريات كن يلبسن «الحلقان» في آذانهن قبل تلك الأيام بمئات السنين ، وأن الختان عادة
__________________
(١) تفسير الطبري ٣ / ٦٨ ـ ٦٩
(٢) ابن كثير ١ / ١٥٤ ، العقد الفريد ١ / ١٣٥ ، تاريخ الخميس ص ١٠٥ ، شفاء الغرام ٢ / ١٥ ، المقدسي ٣ / ٥٣ ، قارن : مروج الذهب ٢ / ١٩ ـ ٢٠