مصرية متأصلة ، تفرد بها المصريون دون شعوب المنطقة جميعا ، منذ أن كان فجر التاريخ ، وأن اليهود لم يعرفوا هذه العادة إلا إبان إقامتهم في مصر ، حتى أن التوراة نفسها لم تتحدث عن سنة الختان إلا بعد زيارة إبراهيم لمصر ، وأنه لا يوجد شعب في حوض البحر المتوسط كان يتبع هذه السنة غير المصريين ، ثم انتقل بعد ذلك منهم إلى السوريين والفينيقيين ، وأن هيرودت يروي أنه سألهم عن هذه العادة ، فقالوا إنهم أخذوها من المصريين ، الذين كانوا يتحرون بها النظافة والطهارة ، وما يزال الختان حتى اليوم في عرف المصريين يسمى «الطهارة» ، ولعل هذا هو السبب في أن المصريين كانوا يعتبرون أي قوم غير مختونين دنسين ، ومن ثم فقد كانوا يقطعون غلف القتلى من هؤلاء القوم ، الأمر الذي يبدو واضحا في حروب مربنتاح (١٢٢٤ ـ ١٢١٤ ق. م) ورعمسيس الثالث (١١٨٢ ـ ١١٥١ ق. م) (١).
وأيا ما كان الأمر ، فإن الأسرة المباركة ، سرعان ما تصل إلى الأرض الطيبة ، حيث تبقى هاجر ووليدها العظيم ، بينما يعود الخليل إلى فلسطين ، وهنا تقدم لنا الروايات العربية منظرا فريدا في التاريخ ، يقدم الخليل فيه ـ كما تقدم هاجر كذلك ـ دليلا ما بعده دليل على قوة الايمان بالخالق الأعظم.
تقول الروايات أن الله أوحى إلى إبراهيم أن يأتي مكة ، وليس بمكة يومئذ بيت ، وكان موضع البيت ربوة حمراء ، وإن كانت هناك روايات تذهب إلى أن أناسا من العماليق كانوا وقت ذاك خارج مكة وما حولها ،
__________________
(١) محمد بيومي مهران : مصر والعالم الخارجي في عصر رعمسيس الثالث ص ٢٣٠ ، قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة ، مجلة الأسطول ـ العدد ٦٦ ص ١٤ ـ ١٥ ، جوزيف لويس : الختان ص ٥٢ ـ ٥٤ وأنظر : أبكار السقاف : إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة ـ القاهرة ١٩٦٧ ، تكوين ١٢ : ١٠ ـ ٢٠ ، ١٧ : ٩ ـ ٢٧.