وأن واديها قد اتخذ من قبل أن تبنى موئلا للراحة من قبل رجال القوافل ـ سواء إبان قدومها من ناحية اليمن قاصدة فلسطين ، أو متجهة من فلسطين إلى اليمن ـ ولكنه كان فيما خلا ذلك ، من أشد الأماكن خلاء أو يكاد ، وهناك في هذا المكان المقفر ، يترك إبراهيم هاجر وإسماعيل ، عند دوحة فوق زمزم ، ويقفل راجعا ، فتناديه هاجر : يا إبراهيم إلى من تكلنا؟ فيقول : إلى الله ، فتقول له : انطلق فإنه لا يضيعنا ، وينطلق إبراهيم حتى إذا ما كان عند الثنية حيث لا يرونه ، يستقبل بوجهه البيت ثم يدعو بهذه الدعوات (١) ، «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ (٢) تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (٣).
وفرغ الطعام والماء فعطشت هاجر وعطش وليدها وراح يتلبط ، ونظرت إليه وهو يتلوى من العطش ، فأحست نياط قلبها تتمزق ، وكاد عقلها أن يطيش ، وراحت تسعى بين الصفا والمروة تتلهف على رؤية أحد ينقذ ولدها من الموت عطشا حتى إذا ما أتمت السعي سبع مرات ،
__________________
(١) ابن كثير ١ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، ابن الأثير ١ / ١٠٣ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، تفسير الطبري ٣ / ٦٢ ، ١٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣٣ ، التفسير الكبير للفخر الرازي ١٩ / ١٣٦ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥ ، شفاء الغرام ٢ / ٣ ، تاريخ الخميس ص ١٠٦ ، تفسير الألوسي ١٣ / ٢٣٦ ، المقدسي ٣ / ٦٠ ، الازرقي ١ / ٥٤ ، ٢ / ٣٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٦ ، قصص القرآن ص ٥٧ ـ ٥٨ ، قصص الأنبياء ص ١٠٤ ـ ١٠٥ ، مروج الذهب ٢ / ١٨
(٢) يروي ابن عباس وغيره أن الله سبحانه وتعالى ، لو قال «أفئدة الناس» ولم يقل «أفئدة من الناس» ، لازدحم عليهم الفرس والروم والناس كلهم ، ولحجت اليهود والنصارى والمجوس ، ولكنه قال «من الناس» ، فاختص به المسلمون (تفسير ابن كثير ٤ / ١٤٢ ، روح المعاني ١٣ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، تفسير البيضاوي ١ / ٥٣٣ ، تفسير الطبري ١٣ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، التفسير الكبير للفخر الرازي ١٩ / ١٣٧ ، تفسير القرطبي ٩ / ٣٧٣ ، تفسير النسفي ٢ / ٢٦٤)
(٣) سورة إبراهيم : آية ٣٧