عادت إلى إسماعيل ، فإذا الماء قد ظهر عند قدميه ، فجعلت تخوضه في فرح وتغرف الماء في سقاتها وشربت وأرضعت وليدها ، واذا بملك عند زمزم يقول لها : لا تخافي الضيعة فإن هذا بيت الله الحرام ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وأن الله لا يضيّع أهله (١).
وهكذا كتب الله الرءوف الرحيم لإسماعيل وأمه النجاة ، وكان السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ، وصدق عز من قال «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ، وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ، فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ» (٢) ، ويروي ابن عباس عن الحبيب المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قوله «فلذلك سعى الناس بينهما» ، أي بين الصفا والمروة ، ولست أدري : هل كان يدور بخلد جدتنا العظيمة أم إسماعيل ـ عليهماالسلام ـ أن ملايين المؤمنين على مرّ السنين سوف يسعون بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، تخليدا لذكرى ما كان في ذلك السعي من خير وبركة (٣).
ويمر نفر من جرهم ـ أو من العماليق على رواية أخرى بواد قريب من مكة ، ويعرفوا بأمر زمزم ، ثم لم يلبثوا إلا قليلا ، حتى يعرضوا على هاجر
__________________
(١) تاريخ الطبري ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٨ ، ابن الاثير ١ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ، ابن كثير ١ / ١٥٥ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥ ، ياقوت ٣ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، العقد الفريد ١ / ١٣٣ ، شفاء الغرام ٢ / ٣ ـ ٤ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، تفسير الطبري ٣ / ٦٩ ، المقدسي ٣ / ٦٠ ـ ٦٢ ، روح المعاني ١٣ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، مروج الذهب ٢ / ١٨ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٦ ـ ٣٧ ، قصص القرآن ص ٥٨ ـ ٥٩ ، قصص الأنبياء ص ١٠٥ ، حياة محمد ص ١٠٣ ـ ١٠٥ ، الازرقي ١ / ٥٤ ـ ٥٥ ، ٢ / ٣٩ ـ ٤٠
(٢) سورة البقرة : آية ١٥٨
(٣) محمود الشرقاوي : المرجع السابق ص ١٦٦ ـ ١٦٧ ، قصص الأنبياء ص ١٠٥ ، الازرقي ٢ / ٤٠ ، مروج الذهب ٢ / ١٩ ، التفسير الكبير للفخر الرازي ١٩ / ١٣٦ ، تاريخ الخميس ص ١٠٦ ، العقد الفريد ١ / ١٣٥ ، شفاء الغرام ٢ / ٣ ـ ٦ ، ١٦ مروج الذهب ٢ / ٤٦ ـ ٤٧ ، تفسير الطبري ١٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، تفسير القرطبي ٩ / ٣٦٩ ـ ٢٧٠ (طبعة ١٩٦٧)