ـ أو ولده حمير ـ هو الذي سيّر جرهم إلى جبال الحرم والحجاز ، ولاة على العماليق وعبد ضخم ، فكانوا بنجد وكذا الطائف وأجبل الحرم ، ووادي مكة يومئذ خاو لا يدخلونه إلا رعاة ، حتى إذا ما جاءت هاجر وولدها ، أقاموا معهم وتزوج إسماعيل منهم (١).
وأيا كان الأمر ، فإن الخليل لم يكن ليترك ولده الحبيب في ذلك المكان الموحش القفر بوادي مكة ، دون أن يزوره ، بين الحين والحين ، فقد كان لا ينقطع عن زيارة هاجر وإسماعيل ، ليشد الأواصر بين الأخوين ، إسماعيل وإسحاق وربما ليزيل الجفوة بين هاجر وسارة ، وإن كان المصادر العربية تتجه اتجاها عجيبا ، فهي تروي أن الزيارة ما كانت تتم إلا برضى من سارة ، وبشرط ألا ينزل عند هاجر ، وحتى بعد وفاة هاجر ، فإن سارة إنما كانت تفرض على إبراهيم ألا ينزل كذلك عند إسماعيل ، وسار نفر من المؤرخين المحدثين في الركب ، وزادوا أنها اشترطت كذلك ألا ينزل عن جواده (٢).
ولست أدري كيف نسي هؤلاء المؤرخون ـ أو تناسوا ـ أن هاجر كانت ما تزال زوجة للخليل ، فما حدثنا مصدر قط عن فراق بينهما ، وأن هاجر وسارة ـ رضياللهعنهما ـ كلتاهما زوجة فاضلة للخليل ، عليهالسلام ، ولكل منهما من الحقوق وعليها من الواجبات ، ما للأخرى وما عليها ، وأن إسماعيل هو ولد إبراهيم البكر ، وإذا كانت الروايات العربية على صواب فيما ذهبت إليه ، من أنه كان ما يزال صغيرا عند ما تركه ، فهو إذن ليس البكر فحسب ، ولكنه الوحيد كذلك ، لأن الخليل لم يرزق
__________________
(١) الإكليل ١ / ١٠١
(٢) ابن الاثير ١ / ١٠٤ ، تاريخ الطبري ١ / ٢٥٨ ، تاريخ الخميس ص ١١١ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٣٧ ، مروج الذهب ٢ / ١٩ ـ ٢١ ، علي حسني الخربوطلي : المرجع السابق ص ١٥ ، قارن : تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٦