قبائل الحجاز أو بعضها ، وربما كان هذا هو أصل حرمته ، حتى يتمكن القوم من الذهاب والإياب ، وأداء المناسك في ظل هدنة دينية مقدسة ، حتى كان الرجل منهم إذا لقي قاتل أبيه أو أخيه أو ابن عمه ، فلا يعرض له ، ثم ما لبث في وقت لا نستطيع تحديده على وجه اليقين أن أصبح واحدا من الأشهر الحرم (١).
ويذهب الأخباريون بعيدا في تقديس الكعبة ، فهو لم يكن ـ فيما يزعمون ـ مقصورا على العرب ، وإنما امتد كذلك إلى الهند والفرس وإلى غيرهم ، وهم يرون كذلك أن الهنود إنما كانوا يعتقدون أن روح «شبوه» ـ أحد آلهتهم ـ إنما تقمصت الحجر الأسود ، عند ما زار هو وزوجته أرض الحجاز ، والأمر كذلك بالنسبة إلى الفرس الذين كانوا يعتقدون أن روح «هرمز» قد حلت في الكعبة ، ويزيد المسعودي أنهم كانوا يعتقدون أنهم من نسل إبراهيم الخليل عليهالسلام ، ومن ثم فقد كانوا يحجون إليها ، وأن آخر من حج منهم إنما كان «ساسان بن بابك» ، وإنه كان إذا طاف بالبيت زمزم على بئر إسماعيل ـ كما كان أسلافه يفعلون ـ ومن ثم فقد سميت زمزم باسمها هذا (٢) ، وهكذا نرى الأخباريين ـ كالعهد بهم يحولون الهنود والفرس إلى مقدسين للبيت الحرام ، حاجين إليه ، متبركين بماء زمزم ، فضلا عن أن الأخيرين منهم إنما كانوا من سلالة الخليل عليهالسلام (٣).
__________________
(١) نفس المرجع السابق ص ١٩٢ ، محمد عزة دروزة : عصر النبي ص ٢١٠ ـ ٢١١ ، تفسير الطبري ١١ / ٩٣٠
(٢) هناك رواية تنسب لابن عباس على أنها سميت زمزم لأنها من زمة جبريل ، أنبطها مرتين ، الأولى لآدم والثانية لإسماعيل (الحربي : المرجع السابق ص ٥٠٠ ، البكري ٢ / ٧٠١)
(٣) جواد علي ٦ / ٤٣٩ ، اللسان ١٢ / ٢٧٥ ، مروج الذهب ١ / ٢٦٥ ، تاريخ الخميس ص ١٢٥ ، ياقوت ٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨ عمدة القارئ ٩ / ٢٧٧ ، البكري ٢ / ٧٠٠ ، علي حسني الخربوطلي : المرجع السابق ص ٢٥.