ويمضي حين من الدهر ، ويؤول أمر الكعبة إلى جرهم ، إلا أن العماليق فيما يرى الأخباريون قد نازعوهم في الأمر ، ثم سرعان ما ينشب القتال بين الفريقين ، ولا تضع الحرب أوزارها حتى تكون الغلبة للعماليق ، غير أن «حرهم» ما لبثت إن استعادت نفوذها من جديد ، حيث بقي الأمر فيها قرابة قرنين ـ وربما ثلاثة ـ عاد بعدهما إلى بني إسماعيل ، ثم انتزعته منهم خزاعة ، بعد حرب دارت رحاها بين إياد ومضر ، وهكذا بقي الأمر في خزاعة إلى أيام «عمرو بن الحارث» ، فانتزع منه «قصي بن كلاب» الملك وأمر الكعبة معا (١).
وأيا ما كان نصيب هذه الروايات من صواب أو خطأ ، فإن هناك إجماعا على أن عمرو بن لحي ، كان أول من أدخل عبادة الأصنام إلى الكعبة ، ومن ثم فقد غيّر دين إبراهيم وإسماعيل ، عليهماالسلام ، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان ، ولهذا يروي أبو هريرة عن النبي (صلىاللهعليهوسلم) ، أنه قال : «رأيت عمرو بن لحي يجر قصبة في النار ، وكان أول من سيّب السوائب» ، وتضيف رواية أخرى ، «وهو أول من غيّر دين إبراهيم عليهالسلام (٢).
وهناك من يذهب إلى أن ذلك ، إنما حدث حين رحل عمرو بن لحي إلى مدينة البلقاء بالشام ، ليستشفي من مرض أصابه ، فرأى أهلها يعبدون الأصنام ، وحين سألهم عنها أجابوه «هذه أصنام نعبدها ، نستنصرها فتنصرنا ، ونستسقي بها فنسقى» ، فطلب واحدا منها ليضعه في الكعبة ،
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٢٢ ـ ٢٤ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٢٢ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٨٤ ، الأزرقي ١ / ٨٢ ـ ٨٧ ، شفاء الغرام ٢ / ٤٨ ـ ٥٤
(٢) صحيح البخاري ٤ / ١٨٤ ، ٦ / ٥٤ ـ ٥٥ ، فتح الباري ٦ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠ ، ٨ / ٢١٣ ، ابن حزم : جمهرة أنساب العرب ص ٢٣٣ ـ ٢٣٥ ، العقد الثمين ١ / ١٣٦ ، شفاء الغرام ٢ / ٢١ ، ٤٦ ـ ٤٧ ، تاريخ الخميس ص ١٢٤ ، الاشتقاق ٢ / ٤٧٤ ، مروج الذهب ٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، روح المعاني ٧ / ١٩٧