فأعطوه صنما يقال له «هبل» ، فقدم به إلى مكة ووضعه عند الكعبة (١) ، ويميل بعض المؤرخين المحدثين إلى هذا الرأي ، معتمدين في ذلك على أن اسم هبل ، إنما هو مشتق من لفظ أرامي بمعنى الروح ، هذا ويميل بعض المستشرقين إلى أن هبل إنما هو رمز إله القمر ، وأن قريشا من شدة تعظيمها له ، إنما وضعته في جوف الكعبة (٢) ، بينما يذهب فريق ثالث إلى أن صورة الحية أو تمثالها ، إنما يشير إلى هبل ، أو إلى هبل وود (٣) ، وأخيرا فهناك ما يشير إلى أن هبل إنما كان من معبودات العرب الشماليين ، بدليل أن اسمه قد ورد ـ بجانب ذي الشري ومناة ـ في نقوش نبطية من الحجر ، كما أن هناك أشخاصا من قبيلة كلب قد حملوا اسمه (٤).
وأيا ما كان الأمر ، فإذا صدقت الرواية التي تذهب إلى أن الذي جاء به إلى مكة ، إنما هو عمرو بن لحي (٥) ، فربما كانت تلك وسيلة من وسائل عمرو هذا ، لتعظيم شأن الكعبة عند أهل الشمال ، وإيناسهم بها كلما دخلوا إلى الحجاز ، وتقريب ما بينهم وبين شعائر البيت الحرام ، وهم جميعا حريصون على تقريب هذه الشقة ، وحماية روادها من كل قبيل ، ومن ثم فقد عمل الحجازيون على تعظيم شأن الحجاز عند الأنباط ، فوضعوا في
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، ٢٢٧ ، الأزرقي ١ / ٨٨ ، ١١٧ ـ ١١٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ، تاريخ الخميس ص ١١٣ ، بلوغ الأرب ٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ابن كثير ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، ابن هشام ١ / ٦٤ ، تاج العروس ٨ / ١٦٨
(٢) جواد علي ٦ / ٢٥٣ وكذاA.Grohmann ,Arabien ,P.٧٨
(٣) A.Grohmann ,op - cit ,P.٧٨
(٤) J. Hastings, Encyclopaedia of Religion and Ethics, I. P. ٤٦٦
(٥) هناك رواية تذهب إلى أن الذي جاء بهبل إنما هو «خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر» ولذا قيل لهبل «هبل خزيمة» [أنظر : الأصنام ص ٢٨ ، ابن سعد ١ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٦ / ١٢]