على أن هناك من يرى أن «مناة» لا تمثل القدر ، الذي تمثله مناتو البابلية ، و «منا» العبرية ، ذلك لأن الدهر في تصور العرب والشعراء الجاهليين رجل ، لا امرأة ، وقد يفسر هذا استقسام العرب عند هبل وذي الخلصة بالأزلام ، وحلفهم فقط أمام مناة ، ويؤكد صفة مناة كذلك أن سيفي الحارث الغساني (مخذوم ورسوب) عثر عليهما على بن أبي طالب رضياللهعنه عند مناة حينما هدمت ، لأن السيف رمز العدالة ، والإنصاف عند أهل البادية (١).
وأيا ما كان الأمر ، فلقد لعبت أيدي الوثنية الخبيثة بدين إبراهيم الحنيف ، وأصابت النكسة عقيدته السمحاء ـ التي قضى عمره يرفع لواءها في كفاح طويل وجهاد موصول ، فحطم الأصنام وتحدى الجبابرة ـ وهكذا انقلب القوم إلى عبادة الأصنام ، وجهلوا سر الفداء ، وسر البقاء ، وبدأ عصر الوثنية وتقديس الأصنام ، إلى درجة أن الرجل منهم كان يأخذ معه في أسفاره أي حجر من أحجار الكعبة ، يصلى إليه ، ويستأذنه في الإقامة والسفر ، ويؤدي إليه كل ما يؤدي للنجوم وخالق النجوم من طقوس العبادة ، ومن ثم فقد استقرت الوثنية وقدست التماثيل وقدم العرب لها القرابين (٢).
ويروي الأخباريون أن الجاهليين كانوا قد وضعوا «أسافا» و «نائلة» داخل المسجد الحرام ، وضعوا كل واحد منهما على ركن من أركان البيت ، فكان الطائف إذا طاف بدأ بأساف فقبله وختم به ، وإن كانت هناك رواية أخرى تذهب إلى أنهما قد وضعا على الصفا والمروة ، وأن عمرو بن لحي هو الذي نقلهما إلى الكعبة ، ونصبهما على زمزم ، وعلى أي حال ، فيبدو أن
__________________
(١) عبد العزيز سالم : دراسات في تاريخ العرب ١ / ٦٤٠
(٢) ابن كثير ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، الأزرقي ١ / ١٢٣ ، كتاب الاصنام ص ٣٢ ، حياة محمد ص ١٠٠