قداسة هذين الصنمين ، إنما كانت مقصورة على قريش ، وأن القبائل الأخرى لم تكن تشاركها في تقديسهما ، وربما كان هذا هو السبب في الروايات التي دارت حولهما ، وأنهما صنمان استوردهما القوم من الشام ، وإن ذهبت روايات إلى أنهما من اليمن ، من جرهم ، هذا وقد نصب القرشيون كذلك على جبل الصفا صنما يقال له «مجاور الريح» ، وآخر على جبل المروة ، دعوه «مطعم الطير» (١).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القوم لم يكونوا شديدي الإيمان بأصنامهم ؛ حتى أن العرب كانت إذا حجت إلى الكعبة ، سألت قريشا عن تلك الأصنام ، فكانوا يقولون لهم ، إنما نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى» (٢) ، وفي هذا إشارة إلى أن القوم إنما كانوا يعتقدون بوجود الله ، ولكنهم يخلطون إيمانهم هذا بعبادة الأصنام واتخاذ الأولياء والشفعاء لتقربهم إلى الله زلفى (٣) ، هذا إلى أن قريشا إنما كانت تلبيتها عند الكعبة «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك» (٤) ، هذا فضلا عن قلة احتفاء الجاهلين بتلك الأوثان والأصنام التي لا نجد لها ذكرا ، إلا في مناسبات معينة ، كما أنها لم تحل عند القوم محل الله ، كما اتفق عند غير العرب ، وعند غير الساميين على الأخص (٥).
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٢٣ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ـ ١٥٥ ـ تاريخ الطبري ٢ / ٢٤١ ، ٢٨٤ ، ياقوت ١ / ١٧٠ ، الازرقي ١ / ٨٨ ، ١١٩ ـ ١٢٢ ، ابن حبيب ص ٣١١ ، ابن كثير ٢ / ١٩١ ، تفسير القرطبي ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، العقد الثمين ١ / ٢١٢ ، الروض الآنف ١ / ٦٤ ـ ٦٥ ، ابن هشام ١ / ٨٦ ، جواد علي ٦ / ٢٦٧
(٢) سورة الزمر : آية ٣
(٣) أنظر : سورة الانعام : آية ١٤٨ ، سورة النحل : آية ٣٥ ، سورة الزمر : آية ٣
(٤) تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٥٥ ، ابن حبيب ص ٣١١
(٥) عمر فروخ : تاريخ الجاهلية ص ١٥٩