وأيا ما كان الأمر ، فيبدو أن الأساس المهم الذي قامت عليه مكانة الكعبة ، أن البيت الحرام بجملته كان هو المقصود بالقداسة غير منظور إلى الأصنام والأوثان التي اشتمل عليها ، وربما اشتمل على الوثن تقدسه بعض القبائل ، وتزدريه قبائل أخرى ، فلا يغض ذلك من مكانة «البيت» عند المعظمين والمزدرين ، واختلفت الشعائر والدعاوى التي يدعيها كل فريق لصنمه ووثنه ، ولم تختلف شعائر البيت كما يتولاها سدنته المقيمون إلى جواره والمكلفون بخدمته ، فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها بين أهل مكة وأهل البادية ، وجاز عندهم ـ من ثم ـ أن يحكموا بالضلالة على أتباع صنم معلوم ، ويعطوا البيت غاية حقه من الرعاية والتقدير (١).
وعلى هذا كان يتفق في موسم الحج أن يجتمع حول البيت أناس من العرب ، يأخذون بأشتات متفرقة من المجوسية واليهودية والمسيحية وعبادات الأمم المختلفة ، ولا يجتمع منها دين واحد يؤمن به متعبدان على نحو واحد ، وما من كلمة من كلمات الفرائض لم تعرف بين عرب الجاهلية بلفظها وجملة معناها كالصلاة والصوم والزكاة والطهارة ، ومناطها كلها أنها حسنة عند رب البيت أو عند الله (٢).
وظلت خزاعة تتولى شئون الكعبة ، حتى نجحت قريش آخر الأمر في أن تنتزع القيادة منها ، وهنا يحلوا للأخباريين أن يقدموا لنا رواية غريبة وعجيبة في نفس الوقت ، فيرون أن الاسكندر المقدوني خرج من السودان متجها نحو اليمن ، وهناك قابله «تبع الأقرن» ملك اليمن ، وقدم له الولاء والخضوع ، وبعد أن أقام الاسكندر في صنعاء شهرا ، اتجه إلى تهامه ، وفي
__________________
(١) العقاد : مطلع الثور ص ١١٥
(٢) نفس المرجع السابق ص ١١٦