مكة ـ حيث السيادة لخزاعة ـ قابله «النضر بن كنانة» ، فأعجب به ، ومن ثم فقد ساعده على إخراج خزاعة من مكة ، وجعل السلطان فيها مقصورا على النضر وبني أبيه ، ثم حج الاسكندر ، وفرق الهبات والهدايا في ولد «معد بن عدنان» ، ثم عاد إلى الغرب (١).
وليس من شك في أن ذلك كله ، ليس له نصيب من صواب ، وأنه لا يعدو أن يكون أسطورة من الأساطير ، لست أدري ما الذي دفع بصاحبها إلى القول بها ، ولعل أهم ما يلاحظ عليها : (أولا) أن الاسكندر الأكبر (٣٣٦ ـ ٣٢٣ ق. م) لم يذهب إلى السودان أبدا ، وبالتالي فلم يعبر البحر الأحمر إلى عدن ، ثم اليمن ، و(ثانيا) أن صنعاء لم تكن عاصمة اليمن في القرن الرابع قبل الميلاد (٢) ـ عصر الاسكندر ـ كما أن تبع الاقرن هذا لم يكن ملكا بها ، وأما (ثالثا) فإن الاسكندر الأكبر لم يكن يؤمن بالبيت الحرام ، حتى يحج إليه ، فضلا عن أن يجعل أمر مكة بيد «النضر بن كنانة» ، بدلا من خزاعة ، و(رابعا) فإن الاسكندر قد حاول السيطرة على الجزيرة العربية ـ أو على الأقل على شواطئها ـ ومن ثم السيطرة على طرق التجارة
__________________
(١) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣ ـ ٣٤
(٢) يرجع ظهور صنعاء (صنعو) إلى أيام الشرح يحضب ، أي إلى النصف الثاني من القرن الأول ق. م. ـ (A.Jamme ,op - cit ,P.٠٩٣) وإن ذهب فلبي إلى أنها كانت في الفترة ١٢٥ ـ ١٠٥ ق. م. ـ (J.B.Phiby ,op - cit ,P.٢٤١) ، وعلى أي حال ، فلقد تردد اسمها في النصوص التي ترجع إلى ذلك العهد ، مثل (Jamme ٥٧٥) ، وفي أيام الحروب التي دارت رحاها بين الشرح يحضب وشمر ذي ريدان ، كما نعرف من نقش ـ) ٧٧٥ (Jamme ، وأن الرجل ـ كما يدلنا نقش ـ RY.٥٣٥ ـ قد بنى قصر غندان (غمدان) ، لما بنى «شعر أوتر» سورها (أي سور صنعاء) ، ثم بدأت المدينة تظهر بين المدن اليمنية القديمة من تلك الفترة ، حتى غدت آخر الأمر عاصمة اليمن ومقر الحكام حتى الآن (أنظر : جواد علي ٢ / ٤٤٢ ، اللسان ٣ / ٣٢٧ ، قارن : ياقوت ٣ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، ٤ / ٢١٠ ، البكري ٣ / ٨٤٣ ، وانظر كذلك : H. Von Wissmann and : M. Hofner, Beitrage Zur Historischen Geographie des Vorislamischen Sudarabien ٣٥٩١, P. ٩١, P. K. Hitti, History of the Arabs, ٠٦٩١, P. ٧٥