وكأنه يكسو البيت الحرام ، وتتكرر الرؤيا ثلاث ليال ، ويفعل «تبع» ما أمر به في منامه ، وهكذا كان الرجل ـ فيما يزعم الأخباريون ـ أول من كسا البيت ثم يعود إلى اليمن (١).
ولعل سائلا يتساءل : أكان تبع يقول الشعر بلغة قريش ـ كما يقدمه لنا الأخباريون ـ ونحن نعرف أنها تختلف كثيرا عن لغة حمير ، حتى ذهب الأمر بعلماء العربية في الإسلام إلى إخراج الحميرية واللهجات العربية الأخرى من العربية ، التي جعلوها مقصورة على العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، وحتى قال بعضهم «ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا» (٢).
ثم كيف فات هؤلاء الرواة ان يجعلوا «تبعا» هذا ، ابن عم المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهم الذين ملئوا صفحات كتبهم بأن العرب ليسوا جنسا واحدا ، وإنما هم عرب عاربة ـ وهم القحطانيون ومنهم تبع ـ وعرب مستعربة ـ وهم العدنانيون ، ومنهم رسول الله ، (صلىاللهعليهوسلم).
ثم من أين عرف الحبران اليهوديان أن هناك نبيا سوف يبعث من قريش ، ومبلغ علمي أن التوراة لم يرد فيها نص يفيد ذلك أبدا ، صحيح أن هناك نصوصا تؤكد مبعث نبي من العرب ، ولكن صحيح كذلك أنها لم تشر إلى أنه من قريش ، وأما هذه النصوص ، فقد جاءت في سفر التثنية (١٨ : ١٥ ـ ١٩). وفي سفر أشعياء (٤٢ : ١٠ ـ ١٣) ، يقول النص الأول
__________________
(١) ابن كثير ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٧ ، تفسير الخازن ٤ / ١١٥ ، ١٧٥ ، اللسان ٨ / ٣١ ، اليعقوبي ١ / ١٩٨ ، ابن خلدون ٢ / ٥٢ ـ ٥٣ ، العقد الثمين ١ / ٧١ ، الازرقي ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، قارن : تفسير الطبري ٢٥ / ١٢٨ ـ ١٤٩ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، تفسير القرطبي ١٦ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، المعارف لابن قتيبة ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦
(٢) محمد بن سلام الجمحي : طبقات فحول الشعراء ص ٤ وما بعدها