الحبشة النصرانية كانت من وراء تلك الحملة ، لست أدري ، فتلك أخبار لا يوثق بها كثيرا ، ثم إن الهمداني يرفض القصة من أساسها ، وإن كان البعض يتهمه بأنه يمني متعصب ، لا يؤيد حربا تنتصر فيها قريش على اليمن ، ثم يضع وزر نقل حجارة الكعبة من مكة الى اليمن على عاتق «هذيل بن مدركة» أحد سادات مكة (١) ، وهو أمر لا نطمئن إليه كثيرا.
وسواء أصح هذا ، أم كان مجرد ظن من الأخباريين ، فهناك إشارات الى محاولة ثالثة حدثت في القرن الأول قبل الهجرة ، وذلك حين بنت غطفان حرما كحرم مكة ، ثم حاولت أن تصرف العرب إليه ، غير أن سيدا من سادات العرب ، رفض ذلك ، وقال «لا والله لا يكون ذلك أبدا وأنا حي» ، واتبعه قومه حين قال لهم «إن أعظم مأثرة ندخرها عند العرب أن نمنع غطفان من غرضها» ، وقاتل غطفان وظفر بهم وأبطل حرمهم (٢).
وأما رابعة المحاولات ، فكانت تلك التي قام بها أبرهة الحبشي في حملته المشهورة على الكعبة المشرفة ، واليها يشير القرآن الكريم في سورة كاملة هي سورة الفيل ، يقول سبحانه وتعالى : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ ، تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» ، وفي هذا العصف المأكول كان أبرهة نفسه ، فضلا عن القضاء على جيشه ، الأمر الذي ناقشناه بالتفصيل في دراستنا عن «العرب وعلاقاتهم الدولية
__________________
(١) الإكليل ٢ / ٣٥٩ ، جواد علي ٢ / ٥٨٥
(٢) محمد حسين هيكل : في منزل الوحي ص ٤١٥