العرب ، يدين بالولاء لدولة الروم.
وهكذا اختار قيصر ، عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، ليكون ملكا على ملكة من قبله ، وكتب له رسالة يبلغها قومه ، ومن ثم فقد عاد عثمان إلى مكة ، فجمع القوم إليه يرغبهم في حسن الجزاء من قيصر ، وينذرهم بسوء العاقبة في الشام ، إذا هم عصوه ، وأهون ما هنالك ان يغلق ابواب بلاده في وجوههم ، وهم يذهبون إليها ويعودون منها كل عام (١) ، يقول عثمان بن الحويرث : «يا قوم ، إن قيصر قد علمتم أمانكم ببلاده ، وما تصيبون من التجارة في كنفه ، وقد ملكني عليكم ، وأنا ابن عمكم وأحدكم ، وإنما أخذ منكم الجراب من القرظ والعكة من السمن والأوهاب ، فأجمع ذلك كله ، ثم أذهب إليه ، وأنا أخاف إن أبيتم ذلك ، أن يمنع منكم الشام ، فلا تتجروا به وينقطع مرفقكم منه (٢)».
وليس من شك في أن هذه المحاولة الرومية السياسية ، إنما غرضها ـ كما هو ظاهر ـ غرض تلك المحاولة الحبشية العسكرية ، وأن المحاولتين قد فشلتا ، وبقيت مكة ـ كما أراد الله ـ حرما آمنا للعرب ، وغير العرب ، وبذلت قريش في المحاولتين جهدها ، لإخفاق الواحدة تلو الأخرى ، وليس من شك في أن الأولى كانت أشد خطرا ، وان دفعت في الثانية ببعض رجالها ، يقضون في سجون القيصر فترة لا تدري مداها على وجه التحقيق ، ثم سرعان ما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى (٣).
__________________
(١) العقاد : المرجع السابق ص ١١٤ ـ ١١٥ ، حياة محمد : ص ١٢٧ ـ ١٢٨
(٢) ابن هشام ١ / ٢٢٤ ، ابن حزم : جمهرة أنساب العرب ص ١١٨ ، الروض الآنف ١ / ١٤٦ ، الأغاني ٣ / ١١٢
(٣) احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٦٢ ـ ١٦٣ ، السهيلي : الروض الآنف ١ / ١٤٦ وكذاWatt ,W.M.MUhammad at Mecca.Oxford.٣٥٩١ ,P.٦١