من الحل ـ أي الأرض التي وراء الحرم ـ كما يعظم الحرم ، وقالوا : «إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم ، ولهذا فقد ترك الحمس الوقوف بعرفة ، لأنها خارج عن الحرم ، والإفاضة منها ، مع اقرارهم بأنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم ، ويرون أن لسائر الناس الوقوف عليها والإفاضة منها ، وأما هم فقد جعلوا موقفهم في طرف الحرم من «نمرة» ، يقفون به عشية عرفة ، ويظلون به يوم عرفة في «الأراك من نمرة» ، ثم يفيضون منه إلى المزدلفة ، فإذا عممت الشمس رءوس الجبال دفعوا ، وكانوا يقولون : «نحن أهل الحرم ، فليس لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها ، نحن الحمس» ، ومن ثم فإنهم بذلك يظهرون تعصبهم لبقعة من الأرض ، ويترفعون عن أن يخرجوا عنها ولو كان في خروجهم إتمام لمشاعر الحج ، كما كانوا إذا أرادوا بعض أطعمتهم وأمتعتهم تسوروا من ظهر بيوتهم وأديارها ، حتى يظهروا على السطح ، ثم ينزلون في حجرتهم ، ويحرمون أن يمروا تحت عتبة الباب (١).
وكانوا يقولون : لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط ولا يسلئوا السمن ، ولا يدخلوا بيتا من الشعر ، ولا يستظلوا ـ إن استظلوا ـ إلا في بيوت الأدم ، ما كانوا حرما ، فهم إذن يحرمون على أنفسهم أشياء لم تكن العرب تحرمها ، كما أنهم اختصوا أنفسهم بالقباب الحمر ـ وهي علامة الشرف والرئاسة ـ تضرب لهم من الأشهر الحرم ، كما فرضوا على العرب ألا يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم ـ إذا جاءوا حجاجا
__________________
(١) ابن كثير ١ / ٢٣٣ ، ٢٩٣ ، البخاري ٢ / ١٦٣ ابن هشام ١ / ٢٠٢ ، الطبرسي ٢ / ٤١١ ، ابن كثير ٢ / ٣٠٥ ، العقد الثمين ١ / ١٤١ ، نهاية الأرب ١ / ٢٤٤ ، المقدسي ٤ / ٣٢ (طبعة بالأوفست من طبعة كليمان هوار عام ١٩٠٧) ، تفسير القرطبي ٢ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ، اليعقوبي ١ / ٢٥٦ ، الازرقي ١ / ١٧٦ ـ ١٨٠ ، جواد علي ٦ / ٣٦٢ ، احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٨٨ وكذاEI ,II ,P.٥٣٣