بطون قريش على من يحوز شرف إعادة الحجر الأسود إلى مكانه ، واشتد الخلاف ، وكاد القتال ان ينشب بين القوم ، وقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم ، فسموا «علقة الدم» بذلك ، ومكثت قريش على ذلك أربع ليال ، ثم تشاوروا ، فقال أبو أمية بن المغيرة ، وكان أسن قريش : «اجعلوا بينكم حكما أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينكم» ، ففعلوا.
وكان النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أول من دخل ، فلما رأوه قالوا «هذا الأمين قد رضينا به» وأخبروه الخبر ، فقال : هلموا إلى ثوبا ، فأتى به ، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ، ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده ، ثم بني عليه ، وهكذا نجح النبي الأعظم في حسم الخلاف وجنب قومه القتال ، ومن عجب أنه سرعان ما قال قائل من قريش : وا عجبا لقوم أهل شرف ورئاسة وشيوخ وكهول ، عمدوا إلى أصغرهم سنا ، وأقلهم مالا ، فجعلوه رئيسا وحاكما ، أما واللات والعزى : ليفوقهم سبقا ، وليقمن بينهم حظوظا وجدودا ، وليكونن له بعد هذا اليوم شأن وبناء عظيم» (١).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ذلك كله ، إنما يدل على مكانة الحجر الأسود عند قريش ، وعلى أنه إنما كان أقدس شيء عندهم ، وإلا لما
__________________
(١) ابن الأثير ٢ / ٤٤ ـ ٤٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، ابن كثير ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٤ ، سيرة ابن هشام ١ / ١٩٥ ـ ١٩٩ ، ابن سعد ١ / ٥٠ ، ٩٣ ـ ٩٥ ، الأزرقي ١ / ١٥٧ ـ ١٦٤ ، تاريخ الخميس ص ١٢٦ ـ ١٣١ ، تفسير القرطبي ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، المقدسي ١ / ١٤٠ ، ياقوت ٤ / ٤٦٦ ، محمد عبد الله دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ٢٥ ـ ٢٦ ، محمد حسين هيكل : حياة محمد ص ١١٧ ـ ١١٨ ، الحربي : المرجع السابق ص ٤٨٧ ، مروج الذهب ٢ / ٢٧٢ ، علي حسني الخربوطلي : المرجع السابق ص ٦٧ ـ ٧١ وكذاP.K.Hitti ,opcit ,P.٠٠١