عشر ذراعا ـ وربما الطويل منهم اربعمائة ذراع ، وربما خمسمائة (١) ـ كما كان الواحد منهم يأخذ الصخرة العظيمة فيقلبها على الحي فيهلكهم ، وأن الرجل كان يتخذ المصراع من حجارة ، ولو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه ، هذا فضلا عن أنهم كانوا في اتصال الأعمار وطولها بحسب ذلك القدر (٢) ، وفي هذا تحميل للآية الكريمة أكثر مما تحتمل ، يشبه ما كانت توصف به فراعنة مصر من الفخامة والطول ، مما كذبه الواقع بعد كشف مومياتهم ، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن قوم هود كانوا يتميزون بضخامة ، لا تزيد على ما يتميز به بعض الأفراد والعشائر بيننا الآن من بسطة في الخلق (٣).
وأسرف خيال المؤرخين الإسلاميين كذلك في تفسير الآية الكريمة «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ» (٤) ، فذهب بعضهم إلى أن «إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ» هذه مدينة وأن الذي بناها إنما هو «شداد بن عاد» في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة عام على رواية! وخمسمائة عام على رواية أخرى وكان عمره تسعمائة عام ، وذلك لكي ينافس بها قصور الذهب والفضة من الجنة التي تجري من تحتها
__________________
(١) لاحظ تعارض ذلك مع حديث الرسول (صلىاللهعليهوسلم) «أن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في الهواء ، فلم يزل الخلق ينقص إلى الآن» (أنظر : تفسير القرطبي ٢٠ / ٤٥ ، ابن كثير ١ / ١٤٤ ، مقالنا عن قصة الطوفان بين الآثار والكتب المقدسة)
(٢) مروج الذهب ٢ / ١٢ ، تفسير القرطبي ٢٠ / ٤٥ (طبعة دار الكتب المصرية القاهرة ١٩٥٠) ، الفخر الرازي ، التفسير الكبير ٣١ / ١٦٨ ، تفسير الطبري ٣٠ / ١٧٦ ، روح المعاني ٣٠ / ١٢٣
(٣) محمد مبروك نافع : المرجع السابق ص ٣٣
(٤) سورة الفجر : آية ٦ ـ ٨ وانظر : تفسير الفخر الرازي ٣١ / ١٦٦ ـ ١٦٩ ، تفسير القرطبي ٢٠ / ٤٤ ـ ٤٧ (طبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة ١٩٥٠) ، تفسير الطبري ٣٠ / ١٧٥ ـ ١٧٨ (طبعة الحلبي ـ القاهرة ١٩٥٤) تفسير البيضاوي ٢ / ٥٥٧ (طبعة الحلبي ـ القاهرة ١٩٦٨)