الأنهار ، وأنه كتب إلى عماله ـ وكانوا فيما يصوره خيالهم في جميع ممالك العالم ـ أن يجمعوا له ما في أرضهم من الذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر والزعفران ، فتوجهوا به إليه ، ثم استخرج غواصو الجواهر فجمعوا أمثال الجبال ، وأنه أمر بالذهب فضرب أمثال اللبن ـ وكذا فعل بالفضة ـ ثم بنى المدينة بهما ، ثم زين حيطانها بالدر والياقوت والزبرجد ، ثم جعل لها غرفا من فوقها غرف ، تعتمد على أساطين من الزبرجد والياقوت ، ثم أجرى تحت المدينة واديا طليت حافته بالذهب الأحمر ، وجعل حصاه أنواع الجواهر ، وبنى في المدينة ثلاثمائة الف قصر ، وجعل على بابها مصراعين من ذهب ، مفصصين بأنواع الياقوت ، وجعل ارتفاع البيوت في المدينة ثلاثمائة ذراع ، وبنى خارج السور كما يدور ثلاثمائة ألف قنطرة بلبن الذهب لينزلها جنوده.
وأما مصير المدينة بعد ذلك ، فموضع خلاف بين هؤلاء القصاصين ، فمنهم من يذهب إلى أنها طارت بعد بنائها في السماء وأن بعض الناس يلمحونها وهي طائرة ، ومنهم من يذهب إلى أنه لا يراها إلا من كتب الله له ذلك ، بل ويروي بعضهم أن رجلا يدعى «عبد الله بن قلاية» رآها على أيام معاوية بن أبي سفيان (٤١ ـ ٦٠ ه) ، وأنه حمل إلى الخليفة منها بعض الأحجار الصغيرة ، فضلا عن المسك والكافور واللؤلؤ ، غير أن هذه الأشياء سرعان ما تحولت إلى تراب عند ما تعرضت للهواء ، ومن ثم فقد استدعى معاوية كعب الأحبار ، وسأله عن خبر هذه المدينة ، فأجاب كعب على الفور ـ كعادته ـ أنها إرم ذات العماد ، وسوف يدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر قصير على حاجبه خال ، وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر «ابن قلاية»