ألا نطبق ذلك كحقيقة مطلقة على الثموديين ، آخذين في الاعتبار طبيعتهم كقبيلة بدوية ، كما يجب ألا نأخذ كذلك المعلومات التي امدتنا بها المصادر الكلاسيكية كما هي ، لأن الصورة التي ترسمها لمواطن الثموديين ليست كاملة ، ففي الوقت الذي يتجاهل فيه «استرابون» ـ اعتمادا على مصدر من القرن الثالث ق. م. ـ وجود قبيلة ثمود ، فإن معاصره «ديودور الصقلي» يذهب إلى أن ثمود ، إنما كانت تسكن شواطئ البحر الأحمر ، ثم يأتي «بليني» فيذهب إلى أن الثموديين إنما اتخذوا مواطنهم في الداخل ، وليس على ساحل البحر الأحمر ، ذلك لأن الرجل لم يكن ـ فيما يبدو ـ على علم باللحيانيين الذين كانوا يقطنون وقت ذاك سواحل مدين ، والذين اعتبروا فرعا من ثمود ، وتمضي ثلاثة أرباع القرن ، ويأتي بطليموس فيجدد مواضع ثمود على شاطئ مدين ، ثم يمتد بها حتى داخل الحجاز (١).
وهكذا يمكن القول بأن الثموديين إنما كانوا يسكنون في القرن الثاني ق. م. ، وحتى نهاية القرن الثاني الميلادي في بلاد مدين ، فضلا عن أننا نجدهم منذ بداية القرن الأول الميلادي في الحجاز والجوف ووسط الجزيرة العربية ، وأنهم قد بقوا في هذه المناطق حتى نهاية القرن الثاني الميلادي ، فاذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن استنتاجه من المصادر الآشورية وإشارات المؤرخين العرب ، لأمكن القول ، أنه منذ بداية القرن الثاني الميلادي ، فإن المنطقة التي سكنها الثموديون قد اتسعت تدريجيا حتى شملت بلاد العرب الشمالية والوسطى ، من الحدود السورية شمالا ، إلى مسافة قريبة
__________________
(١) خالد الدسوقي : المرجع السابق ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠