فأصبحوا في ديارهم جاثمين (١) ، وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والاستهزاء «أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ» (٢) ، فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن قول ما قالوا ، ومن ثم فقد جاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم ، وأما في سورة الشعراء فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة ، وكان ذلك إجابة لما طلبوا ، حيث قالوا «فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» (٣) ، ومن ثم يقول سبحانه وتعالى : «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (٤).
ومنها (خامسا) أن وصف شعيب في سورة الأعراف بأنه أخو مدين ، وعدم وصفه بذلك في سورة الشعراء عند الحديث عن أصحاب الأيكة ، فالرأي عند ابن كثير أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله تعالى «كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ» (٥) ، لأنه وصفهم بعبادة الأيكة ، فلا يناسب ذكر الأخوة هنا ، وحين نسبهم إلى القبيلة شاع ذكر شعيب بأنه أخوهم ، ومنها (سادسا) أن الحديث الذي رواه ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب ، مرفوعا إلى عبد الله بن عمرو ، من أن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا النبي ، إنما هو حديث غريب ، وفي رجاله من تكلم فيه ، وربما كان من كلام عبد الله بن عمرو من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك ، وفيهما أخبار بني إسرائيل (٦).
ومنها (سابعا) أن نبي أصحاب الرس إنما هو ـ طبقا لروايات
__________________
(١) أنظر الآية ٩٤ من سورة هود
(٢) سورة : هود : آية ٨٧
(٣) سورة الشعراء : آية ١٨٧
(٤) سورة الشعراء : آية ١٨٩
(٥) سورة الشعراء : آية ١٧٦
(٦) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٨٩ ـ ١٩١