الله تعالى بالصيحة ، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله تعالى بعذاب يوم الظلة (١) ، وأخيرا فهناك فريق ثالث زعم أن شعيبا إنما أرسل إلى أمم ثلاث ، حيث أضافوا إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة ، أصحاب الرس (٢).
والرأي عندي أن الأمر غير ذلك تماما ، لأسباب كثيرة ، منها (أولا) أن الأنبياء إنما تبعث في أقوامها ، لأن القوم سيكونون أفهم لقول النبي من قول غيره ، وأعرف بحاله في صدقه وأمانته وشرف أصله (٣) ، ومنها (ثانيا) لمعرفة النبي بلسان قومه ، تصديقا لقوله تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» (٤) ، ومنها (ثالثا) أن ما جاء في سورة الشعراء من وصف لأصحاب الأيكة (٥) ، إنما يتفق وما جاء في غيرها من وصف لأهل مدين ، مما يدل على أن أهل مدين ، إنما هم أنفسهم أصحاب الأيكة (٦) ، ومنها (رابعا) أن أنواع العقاب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى بالقوم ، لا تعني أنهم أقوام عدة ، وإنما تعني أن الله قد أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ، ففي سورة الأعراف رجف القوم نبي الله وأصحابه وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم أو ليعودن في ملتهم ، فقال تعالى «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» (٧) ، فقابل الإرجاف بالرجفة ، وأما في سورة هود فذكر أنهم أخذتهم الصيحة
__________________
(١) تفسير روح المعاني ٨ / ١٧٥ ، ٩ / ٦ ، وأنظر ١٤ / ٧٥
(٢) تفسير روح المعاني ٨ / ١٧٦
(٣) تفسير روح المعاني ٨ / ١٥٤
(٤) سورة إبراهيم : آية ٤
(٥) سورة الشعراء : آية ١٧٦ ـ ١٩١
(٦) محمد علي الصابوني : النبوة والأنبياء ص ٢٧٢
(٧) سورة الأعراف : آية ٩١